خبر

إسرائيل وبشيرها: وثائق إبادة معلنة

حقائق جديدة حول جريمة مدبرة

وليد شرارة – الاخبار

كان الهدف المعلن للاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، بحسب التصريحات والبيانات الصادرة عن حكومة بيغن-شارون آنذاك، هو «تدمير البنى التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية»، أي جميع منظمات المقاومة الفلسطينية والمؤسسات السياسية والاجتماعية والإعلامية والثقافية المرتبطة بالمنظمة. لكن مجريات الاجتياح، التي تخللتها عمليات استهداف واسعة النطاق للمخيمات الفلسطينية عبر القصف التدميري وارتكاب المجازر، التي وصلت إلى ذروتها مع مجزرة صبرا وشاتيلا، كشفت أن الغاية الفعلية لهذا الأخير تتجاوز القضاء على منظمة التحرير إلى القضاء على وجود الشعب الفلسطيني في لبنان. المشروع الصهيوني الذي قام على التطهير العرقي في فلسطين حاول تكرار جريمته في لبنان. لكن إرادة الصمود الأسطورية لدى الفلسطينيين في لبنان، الذين تعرضوا لعمليات قتل وتنكيل وحصار طوال عقد ثمانينات القرن الماضي وليس خلال الاجتياح وحده، منعته من بلوغ غايته. اليوم، بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على النكبة في فلسطين، وستة وثلاثين عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، قرّر الكيان الصهيوني، عبر تصويت الكنيست على قانون القومية اليهودية، الإعلان رسمياً عن طبيعته الاستيطانية الإحلالية. بحسب هذا القانون، «إسرائيل» هي الوطن التاريخي «للشعب اليهودي» حصراً، حيث يمارس «حقه في تقرير المصير». وكما في جميع حالات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي التي سبقت، كالولايات المتحدة وأستراليا ونيوزلندا، لا مكان للسكان الأصليين إلا في المقابر الجماعية أو معازل القتل البطيء. وقد اعتقد الصهاينة بعد النكبة أنهم نجحوا في التخلص من الفلسطينيين، كما أكد أحد قادتهم، أبا إيبان، عندما جزم أن «الكبار سيموتون والصغار سينسون». كذّب الفلسطينيون أبا إيبان وانطلقت من مخيمات البؤس والتشرد والبطولة والفداء ، خارج فلسطين، الثورة الفلسطينية المعاصرة. ومع مضي أكثر من عقد ونصف على انطلاقتها وتمركز قواتها في لبنان، قرّر الصهاينة تكرار محاولة الإجهاز عليها واستكمال ما بدأوه عام 1948.

اجتياح بحجم نكبة

المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها أدركوا بوضوح أهداف الاجتياح، وكذلك أعداء هذه المقاومة، من ميليشيات اليمين الفاشي اللبناني، التي كان وصول مرشحها إلى السلطة أحد هذه الأهداف. وتكفلت التطورات الميدانية والسياسية خلال الاجتياح وبعده بتبيانها لمن كان متعامياً عنها وأولها إلحاق نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني واقتلاعه من الجزء الأكبر من لبنان. هذا ما يفسر التدمير المتعمد والمنهجي، الكامل أو شبه الكامل، لمعظم المخيمات الواقعة ضمن نطاق الاجتياح كالرشيدية والبرج الشمالي وعين الحلوة وهو ما يفسر طبعاً مجزرة صبرا وشاتيلا. لم يرحل الفلسطينيون. بقوا بين أنقاض منازلهم وأعادوا إعمارها تدريجاً على رغم تعرضهم للقتل والخطف والاعتقال والتنكيل في المخيمات الواقعة تحت الاحتلال في الجنوب آنذاك وثبتوا في أزقة صبرا وشاتيلا التي تحولت ليومين متتاليين إلى مسلخ بشري مكتظ بجثث أهلهم وأحبتهم. من أراد المزيد من الإطلاع على وقائع تلك المرحلة وعلى تجربة الفلسطينيين المريرة في لبنان في ثمانينات القرن الماضي، من منظور المعنيين أي الفلسطينيين، عليه مراجعة الكتاب الهام لروز ماري صايغ «أعداء كثر» (Too Many enemies) الصادر بالإنكليزية والذي لم يترجم للعربية لأسباب «غير مفهومة».

حَرص الطرف الإسرائيلي، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا والاستنكار العالمي الذي سببته، على الترويج لسردية لخصها مناحم بيغن بقوله أمام الكنيست: «غوييم (أغراب من غير اليهود) قتلوا غوييم، لكن العالم يتهم اليهود». لم تكن إسرائيل تتوقع، بحسب السردية المذكورة، أن يقدم حلفاؤها في القوات اللبنانية، وقوات سعد حداد التي جيء بها من الجنوب، على ارتكاب مجزرة ضد المدنيين. وزير دفاعها آنذاك آرييل شارون اعترف بأنه من أعطى الأمر لهذه القوى الرديفة بدخول المخيمات «لتطهيرها من الإرهابيين» لكنه نفى علمه بنيتها ارتكاب مجازر، وعزا سلوكها إلى رغبتها بالانتقام لاغتيال زعيمها بشير الجميل. بعض قادة القوات اللبنانية برّروا أيضاً ما جرى على أنه رد فعل من عناصرها بدافع الانتقام من عملية الاغتيال. أحد قادتها، فؤاد مالك، وفي مقابلة مع إذاعة كورتوازي (Radio Courtoisie) اليمينية المتطرفة الفرنسية في الثمانينات، زعم بأن ما جرى في صبرا وشاتيلا معركة وليس مجزرة وبأنه شارك شخصياً فيها!

لم تصمد هذه السرديات والمزاعم أمام الشهادات والوثائق والتحقيقات التي تثبّت بشكل حاسم أن المجزرة اندرجت ضمن سياق مخطط مشترك بين إسرائيل والقوات اللبنانية لاقتلاع الوجود الفلسطيني من لبنان. آخر الوثائق الشديدة الأهمية هي تلك التي كشف عنها الباحث الأميركي سيت أنزيسكا في مقال في مجلة نيويورك رفيو أوف بوكس، خصصه لنشر بعض الصفحات المختارة من كتابه المرجعي «تغييب فلسطين، التاريخ السياسي من كامب ديفيد إلى أوسلو»، الصادر أخيراً عن دار نشر جامعة برنستون في الولايات المتحدة. يبرز الكتاب حقيقة تواطؤ جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة، من إدارتي فورد ونيكسون، إلى إدارة ترامب، مع السياسة الإسرائيلية التي عملت بجميع السبل لمنع الفلسطينيين من حقهم بتقرير المصير وإقامة دولة مستقلّة على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية وكيفية توظيف هذه السياسة لما سمي بعملية السلام منذ اتفاقية كامب ديفيد لإخراج أطراف عربية وازنة كمصر من الصراع مع إسرائيل وعزل الفلسطينيين تمهيداً للإجهاز على حركتهم الوطنية وإتمام عملية الاقتلاع والضم والاستيطان. ويفرد الكتاب حيزاً هاماً للاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومجازر صبرا وشاتيلا، باعتباره محطة مفصلية في مسار الإبادة السياسية و«تغييب فلسطين». خلال عمله على إعداد الكتاب، حصل أنزيسكا من وليم كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأسبق في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر والخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط الناقد للسياستين الأميركية والإسرائيلية، على الملحقات السرية لتقرير لجنة كاهان، اللجنة الإسرائيلية المكلفة بالتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا. تنقسم هذه الوثائق إلى محاضر اجتماعات بين القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية وقيادتي القوات اللبنانية وحزب الكتائب وإلى محاضر جلسات استماع أمام الكنيست لمسؤولين إسرائيليين ومحاضر مقابلات بينهم وبين لجنة كاهان. اختارت «الأخبار» أن تنشر أبرز محاضر الاجتماعات بين القيادات الإسرائيلية واللبنانية التي تفصح عن تفاهم كامل على غايات الاجتياح وفي مقدمها الخلاص من «الديموغرافيا» الفلسطينية في لبنان. وقد شارك قائد القوات اللبنانية بشير الجميل في أغلب هذه الاجتماعات المصيرية. يتضح في أكثر من محضر أن الطرف الإسرائيلي، للحفاظ على صورته وسمعته أمام العالم، لزّم أمر المخيمات للميليشيات الفاشية اللبنانية المتحمسة لذلك. هذه الأخيرة، على غرار غيرها من فرق الموت الفاشية عبر العالم، تخصصت خلال الحرب الأهلية بعمليات «التطهير الاجتماعي» لأحزمة الفقر عبر القتل الجماعي والتشريد كما فعلت في النبعة والكرنتينا ومخيمي تل الزعتر وجسر الباشا. كانت الطرف الأمثل لإنجاز المهمة.

مجزرة صبرا وشاتيلا ليست كغيرها من مجازر الحرب الأهلية اللبنانية. لم يكن رد فعل على مجزرة أخرى أو عملاً انتقامياً تلا معركة كما حصل خلال الحرب. هي أتت تنفيذاً لقرار إسرائيلي مشترك مع رديف رُفع إلى مرتبة الحليف لاعتبارات سياسية، كحلقة في مخطط واسع هدف إلى إعادة صياغة التوازنات السياسية والديموغرافية في لبنان وفي المنطقة. ومن يشك في صحة هذه الخلاصات عليه بمراجعة محاضر الاجتماعات بين الشركاء في الجريمة المتعمدة التي تبدأ «الأخبار» بنشرها اليوم.

شارون: ماذا ستفعلون بشأن مخيمات اللاجئين؟

بشير: نخطّط لحديقة حيوان حقيقية

عنوان الوثيقة:

محضر الاجتماع بين بشير الجميّل وكمحي وتامير، مكتوب بخطّ اليد

1 – كان بشير راضياً بعدما تلقّى المعدات التي أرسلناها إليه.

2 – كان مهتماً بمعرفة مصير الفلسطينيين في لبنان بعد إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية، أو ما يسمّيه «المشكلة الديموغرافية». قلنا له إنّ مشكلة السكان المدنيّين هي مشكلتكم (هم الذين دعوهم إلى الدخول، لذلك فإنّ التخلص منهم من مسؤوليتهم).

بالمقارنة، إنّ مشكلة منظمة التحرير الفلسطينية مشكلة مركّبة: إما أن ينسحبوا وفق الاتفاق السياسي، أو أن يُخرَجوا بالقوّة.

طرح بشير النقاش المعهود، وقال إن الوقت ينفد، كذلك فإنّه بات يشكّل عائقاً أمامنا، وإن شيئاً لن يتحقّق جرّاء العملية السياسية. وقال إنه إذا جرى غزو المخيمات أو عزلها، فإنّ المدينة ستسقط كثمرةٍ ناضجة، لأنّ الأحياء السنيّة ستستسلم، كذلك فإن المسيحيين سيزيدون الضغوط.

(ملاحظة مكتوبة بخط اليد من دون عنوان بتاريخ 10 تموز/ يوليو 1982: بشير الجميّل يقترح إضافة قوّة سعودية إلى القوات الدولية المقرَّر أن تدخل بيروت).

21 آب/ أغسطس 1982 (قبل يومين من انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية)

عنوان الوثيقة: محضر اجتماع بين وزير الدفاع (أرييل شارون) وبيار وبشير الجميّل في مكتب بشير

المشاركون: رجال بشير، ممثلون عن الموساد، أوري دان، الميجور شامير وزير الدفاع: لقد وضعنا الخلفية، نحن هنا في بيروت بحسب اتفاقنا في كانون الثاني/ يناير هذا العام. كيف تتحضّرون لحكومة قوية ومستقرّة؟

بيار: إن الله أرسلكم إلينا. خلال السنوات السبع أو الثماني الماضية، خذَلَنا الجميع. الأميركيون والأوروبيون كانوا يخافون حرق أيديهم هنا. كان ضرورياً أن تفعلوا ما فعلتم. لقد أتيتم وأنقذتمونا. خلال العامين الماضيين، انتظرنا بيأس. من دون مساعدتكم، لكنّا اختفينا.

أشعر بأنكم لستم راضين عن موقفنا. ربما توقعتم تعبيراً أكبر عن الفرح وحماسة أكبر لدى وصولكم. على الرغم من أننا لم نعبّر عن ذلك ظاهرياً، أريدك أن تعرف أن قلوبنا تطير من الفرح. حتى لو أنّكم تعملون وفقاً لما تقتضيه مصلحتكم، فإنّكم قدّمتم لنا خدمة. كما نتفهّمكم، يجب أن تتفهمونا، من أجل مصلحتنا ومصلحتكم. لبنان هو الجسر الأفضل لدخولكم إلى العالم العربي. هذا في مصلحتكم أيضاً. من المستحيل أن نحيا، حاملين السلاح إلى الأبد. يجب أن تبقى إسرائيل إلى الأبد، ويجب إيجاد حلّ للوجود السلميّ. أنتم جُدد في هذه المنطقة. صراعنا من أجل الاستقلال عمره 400 عام. أعتقد أننا نجحنا في ذلك. لذلك – أتمنّى أن تتفهّم – سعادتنا كبيرة، حتى لو لم نستطع إظهار ذلك بشكل واضح. نحن نفهم الوضع بشكل أفضل في العالم العربي، لذا نعتقد أن التعبير الواضح عن فرحنا سيكون مؤذياً. (يهمس بشير في أذنه حينها)، لقد عدتم بعد مئات السنين. نحن بقينا هنا، لكنّنا نتصارع مع المشاكل ذاتها تقريباً. يمكننا النجاة والبقاء هنا بفضل وجودكم في المنطقة.

بشير الجميّل يقترح إضافة قوّة سعودية إلى القوات الدولية المقرَّر أن تدخل بيروت

أودّ أن أشكركم مجدداً وأؤكّد اعترافنا بكل شيء فعلتموه من أجلنا. من دونكم، كان لبنان سيتفكّك. نحن أصدقاؤكم الحقيقيون، ومصالحنا متشابهة. إذا كان لديكم أيّ ملاحظات بشأن سلوكنا، فمن المهم أن تبلغونا بها، خصوصاً أن صداقتكم ضرورية بالنسبة إلينا.

وزير الدفاع: شكراً لقدومك. كفتىً، أذكرك بصراعك من أجل لبنان حرّ. كان يجب أن آتي لأراك، وأنا ممتنّ لحضورك هنا.

بيار: لقد زرت إسرائيل مرّات عدّة. تأثّرت كثيراً. خلال إحدى زياراتي، زرت مدرسة أثارت إعجابي جداً. كانوا يعلّمون الأولاد هناك عن جمال الحياة.

وزير الدفاع: إن الامتحان الأكبر يكمن في كيفية خلق القوة وكيفية نقلها. عددنا 18 مليوناً، ستة ملايين أبيدوا. وبعد 40 عاماً، بتنا أقرب إلى 15 مليوناً. لقد تعلّمنا كيف نستخدم القوة التي لدينا، ولكننا لسنا نحن بعد. استخدام القوة هو ما أوّد أن أناقشه معك. أودّ أن أشير إلى الظروف الخاصة التي في متناولنا. نفهم مشاكلكم، وسنتوصّل إلى تفاهم أفضل. لديّ مشاعر صداقة دافئة تجاهكم، وأؤمن بإقامة العلاقات بين لبنان الحرّ وإسرائيل.

مع ذلك، عليكم أن تفهوا أنه من أجل أن نواصل مساعدتنا لكم، نحتاج إلى تعاونكم – هذا بحاجة إلى إصرار. المناورات والألعاب لم تؤدّ إلى أي مكان. كان هناك فرص عديدة. قبل شهرين، كان هناك فرصة أمامكم لتحرير عاصمتكم. ذلك لم يحصل. كان أسهل بالنسبة إلينا. لم يحصل ذلك، لكننا فهمنا لماذا. برأيي، كان موقفكم أفضل لو أنكم قد تصرّفتم.

بيار: اسمح لي أن أقاطعك. ماذا كنّا سنفعل؟ كان ذلك سيكون مزعجاً أكثر منه مفيداً. لست عسكرياً، لكنّي أعتقد أن موقفنا خدم الهدف المشترك بنحو أفضل مما لو كنّا تورّطنا.
وزير الدفاع: عليك أن تفهم أنّ إسرائيل دولة ديموقراطيّة. هناك أشخاص يعملون هنا منذ 60 يوماً، ووضعهم الاقتصادي مدمّر.

الضغوط في إسرائيل تتراكم. مضمون الضغوط يأتي على النحو الآتي: «لقد حقّقنا ما حققنا، لنعود إلى بلادنا. الجنود هنا مدنيون. لقد تركوا عائلاتهم وأعمالهم. هذا سبّب ضغطاً على الرأي العام الإسرائيلي. خلال أيام سنتعرّض لضغوط دولية على شكل «أنتم أردتم إخراج الإرهابيين من بيروت. ها قد خرجوا. أخلوا المباني الآن». لن يكون لدينا ردّ على ذلك. علينا أن نجيب لماذا نحتفظ بقطاع في جنوب لبنان مساحته بين 40 – 50 كلم. هذا حزام أمان. مع ذلك، لن يكون لدينا إجابة ترضي الرأي العام المحلّي والدولي. ولكن، قد يساعدنا تعهّد لا لبس فيه بأن (اللبنانيين) سيوقّعون اتفاق سلام مع إسرائيل. خلافاً لذلك، لن يكون لدينا حجّة. ما لم يجرِ التصريح بأوضح العبارات بأنه سيُوقَّع اتفاق سلام من قبل إسرائيل، فلن نتمكّن من البقاء في منطقة بيروت. في سيناء، انتظرنا السلام لسنوات، ولكن بقاءنا هنا من دون أن تُعلن القيادة المُحرِّرة أن اتفاق سلام سيُوقّع مع إسرائيل، سيشكّل لنا وضعاً صعباً.

لقد سألتم سابقاً عن مصير مخيّمات الفلسطينيين بعد انسحاب الإرهابيين. إذا لم تنتظموا من أجل دخول هذا المكان، فستواجهون المشكلة ذاتها. من غير المعقول أن تعودوا إلينا وتقولوا لنا إننا ارتكبنا خطأً، يجب أن ندخل إلى المخيمات ونتولّى أمرهم. حال الانتهاء من إجلاء الإرهابيين، لن نتمكّن من فعل شيء، وسيكون من الخطأ أن تطلبوا منّا ذلك. عليكم أن تتصرّفوا.
حتى نتمكّن من الصمود أمام الضغوط العلنيّة في إسرائيل، عليكم أن تعلنوا على الفور إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، وحتى تتخلّصوا من الإرهابيين، عليكم تطهير المخيمات. بحيث يكون من الممكن إقامة علاقات موثوقة تقوم على الاحترام المُتبادل. بعد أن نتكبّد 2500 ضحيّة، عليكم أن تفعلوا شيئاً، اقرعوا الأجراس! صرّحوا عن الالتزامات. (……) ربما قلت أشياء صعبة، ولكنّها تخرج من قلبي، بين الأصدقاء. هذا ما أشعر به وما أؤمن به. قلت هذه الأشياء مع علمي بالموقفين الداخلي في إسرائيل، والدولي.

بيار: أنا أفهم خطابك تماماً، وأشكرك على هذه الكلمات. نحن على علم بردود الفعل داخل إسرائيل. من المهمّ أن يفهم شعب إسرائيل أننا نقف إلى جانبه. سجّلنا موقفكم. أودّ أن تفهموا موقفنا السياسي والدبلوماسي. نحن في خضمّ عمليّة سياسية وانتخابات رئاسيّة، ونؤمن بأن كل شيء سيتغيّر. بشير هو المرشّح. في حال انتخاب بشير، سيُعلَنُ عصرٌ جديد في المنطقة. على العرب أن يفهموا أننا نريد أن نكون لبنانيين. سياستنا ستتغيّر برمّتها. نحن لبنانيون أولاً، وعرب ثانياً. عندما تنبثق جمهورية جديدة، كل شيء سيتغيّر، كل شيء سيكون ممكناً. حين ندخل المرحلة الجديدة، نريد التوصّل إلى اتفاق شامل معكم. نحن في خضمّ الحملة الانتخابية. من المهم جداً المحافظة على الهدوء. مصالحنا متطابقة.

وزير الدفاع: شكراً لك على خطابك. أنا أفهمك. من المهم جداً أن تقدّروا المشاكل المحليّة والدولية التي نواجهها.

بيار: عليكم أن تفهموا موقفنا أيضاً. مصالحنا متطابقة. أطلب مجدداً إن كان لديكم ملاحظات، من المهم بالنسبة إلينا أن نسمعها بصراحة تامة.

بيار يغادر الاجتماع، ويتبع ذلك حوار مع بشير.

وزير الدفاع: ماذا عن الأميركيين؟

بشير: هناك تفهّم كامل الآن، لقد رتَّبت لنا ذلك منذ نحو عام.

وزير الدفاع: والسعوديون؟ هل هم منخرطون؟

بشير: كلا، لقد استخدموا نفوذهم في ما يتعلّق بالمسلمين في بيروت. الأميركيون يستغلّون ذلك أكثر. الأميركيون يفعلون ذلك. حبيب أخبر صائب سلام، في أكثر من مناسبة، أنه يلعب بالنار.

السوريون منعوا دخول أعضاء في البرلمان. لذا، كانت هناك خشية من ألّا يكتمل النصاب. أردت طرح هذه المسألة عليك، وسؤالك عمّا ينبغي فعله في حال حصول ذلك؟ هل أطلب من سركيس الاستقالة؟ ماذا عن المدنيين الذين يخضعون للنفوذ السوري؟ كيف ستتواصل العملية السياسية؟ لكن علينا أن نناقش ذلك بعد يوم الاثنين.

وزير الدفاع: ماذا ستفعلون بشأن مخيمات اللاجئين؟

بشير: نخطّط لحديقة حيوان حقيقية.

وزير الدفاع: هل تعتزمون الدخول إلى بيروت الغربية؟

بشير: هناك مشكلة بشأن «المرابطون». لقد عرضوا للتوّ بيع 40 ألف بندقية كلاشنيكوف. تخيّل ما سنجده في المدينة. وبخصوص الزيارة لإسرائيل، إذا فشلنا، يجب أن نناقش ذلك. ربما هذا ليس وقتاً مناسباً. ليس هناك أمر طارئ على جدول الأعمال. إذا جرى انتخابي يوم الاثنين، فسندير شؤون الدولة.

ناحيك: نطلب منكم مجدداً ألّا تفعلوا شيئاً من شأنه أن يعقّد إجلاء (الإرهابيين). جدولكم الزمني يسمح لكم بتأجيل الأنشطة إلى ما بعد إجلائهم.

وزير الدفاع: لا تتّخذ أي إجراء من دون التنسيق معنا.

بشير: أعدك بذلك.