علي فرحات – الاخبار
فجرت الباراغواي مفاجأة من العيار الثقيل بعد إعلانها التراجع عن نقل سفارتها إلى القدس المحتلة. فالدولة الثالثة بعد أميركا وغواتيمالا التي سارعت إلى الامتثال لقرار الرئيس دونالد ترامب في 9 أيار الماضي، عدلت من موقفها بعد تولي ماريو عبدو بنيتز (من أصل لبناني) الرئاسة، وأعلنت عن القرار رسمياً قبل أيام.
خطوة الباراغواي، حملت أبعاداً كثيرة، أولّها أن الدولة اللاتينية الفقيرة التي لم يسبق لها الدخول على خط الصراعات الدولية، أسست لنقلة نوعية في السياسة الخارجية، ترتكز على المصالح الوطنية والقرارات السيادية. والبعد الآخر، وهو لُب النقاش الذي أوصل بنيتز وحكومته إلى هذا القرار، يستند إلى خطورة خروج الباراغواي من المنظومة الدولية، واتباع هوى رئيس أميركي قد ينتهي مفعول إجرائه بانتهاء ولايته، ويكون وقع الارتدادات السلبية المستقبلية لقراراته على عاتق الدول الصغيرة.
لجأ بنيتز إلى القانون الدولي كمظلة للتخلص من القرار «المتسرع» لسلفه أوراسيو كارتس، وأعاد تموضع بلاده تحت سقف المؤسسات الأممية ورسم سياسات ترعى مصالح بلاده في الانفتاح على أكبر عدد من دول المنطقة. أما في إسرائيل، فنزل قرار الباراغواي كالصاعقة، لما يتصل بتراجع المشروع برمته. فتجرؤ دولة كالباراغواي على فرملة هذا الإجراء، يمثل تحدياً لهيبة الاحتلال باعتبار أن الباراغواي ومثيلاتها، كانت تحسب بنظر الأميركيين كدول تابعة لا تملك حق التقرير في القضايا ذات الطابع الإستراتيجي. من جهتها، سارعت الولايات المتحدة إلى محاولة تطويق هذا القرار من خلال اتصالات رفيعة المستوى، أهمها اتصالان متتاليان من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس بالرئيس ماريو عبدو لمحاولة دفعه للتراجع عن قراره. إلا أن إصرار عبدو، قوبل بإقفال السفارة الإسرائيلية في أسونسيون وسحب البعثة الدبلوماسية. هذا في العلن، أما في الكواليس، فيصف مصدر مطلع بأن حجم الضغوطات والتهديدات كان هائلاً وما زال، مشيراً إلى أنه وصلت رسائل إلى الدولة، مفادها أن «استمرار الباراغواي على عنادها قد يضعها في موقع الاستهداف الاقتصادي والسياسي».
وبالفعل، بدأت حملة الضغوط بقيادة الرئيس السابق أوراسيو كارتس، الذي أطلق تصريحاً نارياً معتبراً أن من يعادي «إسرائيل» مصيره الفشل. ويقول المصدر إن «أكثر ما يخدم هو التغطية الخارجية لهذه الخطوة وتتمثل في دعم حكومة الباراغواي والانفتاح أكثر على الاستثمار في هذا البلد»، مثمناً الخطوة الفلسطينية والتركية في الإسراع إلى الإعلان عن نيتهما فتح سفارات في أسونسيون، «ما يعطي الرئيس زخماً داخلياً يستطيع من خلاله إثبات صحة موقفه وتأثيره الإيجابي على الرأي العام».
في المقابل، كشف المصدر عن استغراب كبير في أوساط حكومة الباراغواي جراء التناقض في الموقف اللبناني. فالدبلوماسية اللبنانية في أسونسيون لعبت دوراً هاماً في العمل على إقناع الرئيس الجديد بضرورة التراجع عن هذه الخطوة، وهي من ساهمت في جمع عدد من السفراء العرب في 8 تموز الماضي وزيارة الرئيس المنتخب قبل توليه مقاليد السلطة بهدف إعادة النظر في إجراء نقل السفارة إلى القدس. فيما أتى موقف لبنان الرسمي (بيان لوزارة الخارجية يحيي الخطوة) مقتضباً وضعيفاً، «ما أفقده إنجازاً دبلوماسياً كان يحتاجه من أجل التقارب مع الباراغواي وتمتين العلاقات بين الطرفين» بحسب المصدر، في وقت تحتضن الباراغواي عدداً كبيراً من اللبنانيين ورجال الأعمال اللبنانيين الذين يشكلون قوة اقتصادية للبلاد.