ماهر المونس – الاخبار
400 رجل أعمال لبناني شاركوا في معرض دمشق الدولي هذا العام. الرقم الكبير يعكس اهتماماً استثنائياً للتجار والصناعيين اللبنانيين الراغبين بالعودة إلى العاصمة التي هجروها مرغمين خلال الحرب. الشركات الخمسين التي شاركت في المعرض تميل إلى لون سياسي واحد في لبنان، لكن هناك في الجناح اللبناني من يؤكد أن الانتظار لن يطول قبل أن يعود الجميع إلى دمشق، خصوصاً أن عدداً من رجال الأعمال المحسوبين على 14 آذار قد زاروا المعرض متفقدين احتمال المشاركة في الدورة المقبلة.
يحتلّ جناح الشركات اللبنانية مساحة واسعة من أرض «معرض دمشق الدولي» تفوق تلك التي استحوذت عليها الشركات الروسيّة أو الإيرانية، إثر مشاركة قُرابة خمسين فعالية ومؤسسة وشركة لبنانية في فعاليات المعرض بدورته الستين، بعد أن كان عدد الشركات اللبنانية في العام الماضي لا يتجاوز 15 شركة. وقاربت مساحة الجناح اللبناني 1000 متر مربع، بجوار جناح وزارتي الكهرباء والثقافة السوريتين. ورغم الحضور الواضح للعلم اللبناني، إلا أنّ هذا الحضور بقي ضمن إطار الحضور الشخصي، لا الرسمي. وبينما شارك ثلاثة وزراء لبنانيين (الزراعة والصناعة والأشغال العامة) في افتتاح المعرض، نأت المصادر الرسمية اللبنانية عن تغطية زيارة الوزراء، على اعتبارها «زيارة شخصية وليست حكومية». ولا يغيب كلامُ السياسة عن أحاديث التجّار الذين عرضوا بضاعتهم ومنتجتاهم ورحّبوا بالزوار.
تمتد لافتة كبيرة طُبعَ عليها أبنية قيد الإنشاء، وأنابيب هواء تخترقها وتتوزع على جدرانها، في إشارة إلى التخصّص الذي تُعنى به الشركة، وهو إنشاء شبكات توزيع الهواء في الأبنية، بالإضافة إلى اهتمامها بالمكيّفات وأنظمة التهوية. يقول نعيم الحصري (36 عاماً)، وهو مهندس في شركة «كي بي اي»، إن «المصالح الاقتصادية أقوى من الخلافات السياسيّة، ومشاركتنا في المعرض في هذه الدورة، تمهيد لمشاركات مقبلة… أستطيع القول إننا متحمّسون للدخول في السوق السورية، لأننا نعرفها جيداً وندرك احتياجاتها، وعلينا أن نكون منذ البداية، لأن مرحلة إعادة الإعمار ستشهد تنافس آلاف الشركات الأخرى».
يؤمن الحصري بأن «المال سيغيّر مزاج السياسة في لبنان»، وأن الاستثمار في سوريا «سيكون مغرياً»، حتى لأولئك الذين اتخذوا موقفاً سلبياً تجاه الحكومة السورية. لم يتوافد كثير من الزوار عند شركة «كي بي اي»، ويبرّر الحصري ذلك بأن الشركة «تستهدف الشركات الكبيرة، لا الأفراد».
يمتد الجناح اللبناني على شكل دائرة كبيرة تتوزّع عليها شركات تتخصّص بالإعمار والبناء والأغذية والمنظفات، ودائرة صغيرة في المركز، تنتشر فيها شركات تغليف واستثمار وإعلان. ورغم تضاعف عدد الشركات اللبنانية ثلاث مرات عن العام الماضي، إلا أنّ الحضور الطاغي كان لتلك المقرّبة من الأحزاب المتوافقة مع الحكومة السورية، وغابت تقريباً الشركات المحسوبة على التيار المعارض لنظام الحكم في سوريا. «يرغبون لكنّهم يخشون من التبعات»، يتحدّث مروان دميان، أحد المشاركين في المعرض، عن التجار اللبنانيين الذين لم يشاركوا هذا العام، ويتابع المسؤول في شركة «روتو-فليكسو برس» المتخصّصة بالتغليف والتعبئة، قائلاً: «شاهدت رجال أعمال محسوبين على تيار 14 آذار، جاؤوا بشكل شخصي لاستطلاع الأوضاع، ورصد طبيعة المعرض… يبدو أنّهم يرغبون في المشاركة في المرات المقبلة، وربّما قبل حلول دورة المعرض المقبلة». ويكمل دميان، الذي وضع على طاولته العلمين السوري واللبناني: «نحاول أن نكسر الجليد السياسي، ونسعى إلى أن يتحرّك السوق بين البلدين… في الاقتصاد الجميع رابح، وفي السياسة الجميع خاسر، وأنا اخترت أن أكون رابحاً». ترتسمُ ابتسامة كبيرة على وجهه كلّما تقدّم رجل أعمال سوري من جناحه، ويرحّب بهم على الطريقة السورية باستخدام بعض الكلمات باللهجة المحليّة، ويقول في ختام حديثه: «منذ آلاف السنين العلاقات التجارية امتداد للشعوب، لا للحكومات».
يقدّر عدد رجال الأعمال اللبنانيين المشاركين في دورة المعرض لهذا العام، بنحو 400 ممن يعملون في مختلف القطاعات. بعضهم تلقّى دعواته مباشرة من إدارة المعرض، والبعض وصلته الدعوة من الوزراء اللبنانيين الذين شاركوا في الافتتاح. وفي حديث للصحافيين، قال مدير شركة «الدليل الصناعي» المنظمة للجناح اللبناني، فارس سعد، إن السلطات السورية «وافقت على تخصيص مساحات إضافية لاستيعاب الراغبين في المشاركة»، موضحاً أن «قيمة الصادرات اللبنانية إلى سوريا بلغت 897 مليون دولار، مقابل 531 مليون دولار كقيمة للصادرات السورية إلى لبنان»، حيث تضاعفت قيمة الصادرات اللبنانية إلى سوريا ثلاث مرات من عام 2012 وحتى عام 2018.
أمّا رشيد مكّي، صاحب مؤسسة حرفية لإنتاج الصابون الطبيعي، فيرى أن المسألة لا تتجاوز «بعض الخلافات مع بعض السياسيين… لكن التجار ملّوا من الجدل المستمر منذ بداية الحرب بين الأفرقاء السياسيين في لبنان حول الأزمة السورية». ويقول منفعلاً: «الجناح اللبناني غير رسمي، هذا صحيح، لكنّه أكبر من الجناح الإيراني، وله تأثير في السوق السورية يتجاوز تأثير البضاعة الروسية». تُعنى شركة مكّي بالصابون المعطّر والعلاجي، وهو نشر منتجاته على طاولة كبيرة في أولى مشاركاته في المعرض. ويقول في ختام حديثه: «غاب لبنان الرسمي، لكن لبنان التجاري لم يغب يوماً عن سوريا… لا يمكن لبنان أن يعيش دون سوريا، ولا يمكن سوريا أن تقطع علاقاتها مع لبنان».