معركة إدلب: غارات سورية وروسية في جسر الشغور… وصواريخ «إسرائيلية» في حماة
الحريري يستنفر رؤساء الحكومات وتياره وكتلته وحليفيه لفتح معركة صلاحيات مع بعبدا
«لبنان القوي»: تشكيلة رفع عتب… ولسنا شهود زور على مخالفات دستورية وديمقراطية
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
الطلقات الأولى في معركة إدلب جاءت خلافاً للمتوقع، ففيما بدأ الطيران الروسي والسوري باستهداف مكثف لمواقع لجبهة النصرة وجماعات المسلحين التركستان في منطقة جسر الشغور قبل انعقاد قمة طهران التي ستضم الجمعة المقبل رؤساء روسيا وتركيا وإيران، ردّت «إسرائيل» بصواريخ استهدفت مواقع سورية في منطقة حماة، فيما بدا أنه ترجمة لتهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم تخف إشاراته فرضية السلاح الكيميائي أن المستهدف هو معركة إدلب بذاتها وليس المخاوف المفتعلة من استخدام للسلاح الكيميائي فضحته البيانات الروسية المتتابعة.
مصادر متابعة لمعركة إدلب توقعت أن ترافقها درجة عالية من الشدّ والجذب، على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما توقعت أن تكون المعركة على مراحل وأن يتداخل فيها السياسي والأمني والعسكري، باعتبارها آخر وأخطر المعارك التي ستضمن حصر المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الدولة السورية بتلك التي تسيطر عليها القوات الأميركية وقوات سورية الديمقراطية، والتي يشكل الاشتباك فيها إحراجاً كبيراً لواشنطن، بينما لا تشكل المفاوضات بين قوات سورية الديمقراطية والحكومة السورية فرصة لتضمينها الشروط التي تريد واشنطن التفاوض حولها، بمثل ما توفره إدلب من فرصة للابتزاز من جهة، ولخوض المفاوضات وتحسين الشروط حتى يقع الحسم، وتسقط محاولات الضغط على إيقاع إنجازات الميدان.
لبنانيا انتهت التشكيلة الحكومية التي قدّمها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري إلى إطلاق مواجهة بين الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعدما صار واضحاً أن التشكيلة كانت محاولة استئثار سياسي فئوي مناقضة لنتائج الانتخابات، ونتائج التفويض النيابي للحريري نفسه من كتل لم يقُم بتمثيلها في التشكيلة المقترحة، خصوصاً مع ظهور الحجم المتضخم لتمثيل تحالف الرابع عشر من آذار بثلاثة عشر وزير، والاحتفاظ بالثلث المعطل، وتجاهل الإشارات المتكررة لرئيس الجمهورية حول حكومة تراعي نتائج الانتخابات النيابية وتعتمد معياراً واحداً في تمثيل الكتل النيابية.
استحضر الرئيس الحريري كتلته النيابية والمجلس المركزي لتيار المستقبل، وتوجّها ببيان لرؤساء الحكومات السابقين، واستحضر حليفيه القواتي والاشتراكي، لتنطلق جبهة إطلاق النار على موقف رئيس الجمهورية، معتبرة الإشارة لمعايير وأسس ينطلق منها رئيس الجمهورية في تقييم التشكيلة الحكومية المقترحة اعتداءً على صلاحيات رئيس الحكومة، بصورة أوحت بنية افتعال تصعيد طائفي عبر استحضار رؤساء الحكومات السابقين وخوض معركة صلاحيات مفتعلة مع رئيس الجمهورية.
بالتوازي كان تكتل لبنان القوي المحسوب على رئيس الجمهورية يفتح النار على التشكيلة المقترحة ويصفها بتشكيلة رفع العتب والاستئثار نسفت نتائج الانتخابات النيابية، معلناً رفض الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، ورفض التكتل لعب دور شاهد الزور على مخالفات دستورية وديمقراطية.
مصادر متابعة للملف الحكومي اعتبرت أن التصعيد المفتعل يوحي بنيات تربط مسبقاً اقتراح التشكيلة الحكومية بالذهاب لمعركة صلاحيات لن تنتهي بأيام وأسابيع، وتمنح الرئيس الحريري وحلفاءه في مناخ من التوتر الطائفي فرصة شهور مقبلة من التعطيل الحكومي بعدما نفدت حجج المماطلة في تبرير التعطيل للشهور التي مضت. وقالت المصادر إن هذا لا يدع مجالاً للشك بقرار متخذ بعدم السماح بولادة الحكومة الجديدة ربطاً برهانات تتصل بالعقوبات الأميركية على إيران وحزب الله وبالمحكمة الدولية وبأوهام تعطيل أميركي لمعركة ادلب.
مفاوضات التأليف إلى المربع الأول
يبدو أن مسار تأليف الحكومة يتجه الى مزيد من التعقيد مع عودة المفاوضات الى المربع الأول، بعد رفض رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الصيغة المبدئية التي عرضها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على الرئيس ميشال عون أمس الأول، والتي لم تبق على قيد الحياة أكثر من دقائق معدودة ووصفها تكتل «لبنان القوي» بصيغة «رفع العتب».
سقوط مسودة الحريري بضربة عونية قاضية دفع بالقوات اللبنانية الى التصعيد ورفع سقف التحدّي والمواجهة والعودة الى مطلبها الأول أي 5 وزراء مع حقيبة سيادية، فيما سارعت القوى السياسية الى عقد الاجتماعات والمشاورات لتحديد موقفها من نتائج لقاء بعبدا بين الرئيسين عون الحريري والبناء على الشيء مقتضاه.
وفيما كان من المفترض أن يقدم الحريري صيغة تحترم المعايير الموضوعية والعادلة وتراعي نتائج الانتخابات النيابية، وبالتالي تؤدي الى هدوء على الساحة السياسية وتشكل بادرة أمل لاستمرار المفاوضات للوصول الى ولادة حكومة وحدة وطنية لا تُقصي أحداً، إلا أنها كانت كفيلة بعودة التشنج والسجالات السياسية وإشعال الجبهات لا سيما جبهة بعبدا وميرنا الشالوحي – بيت الوسط ومعراب.
«المستقبل» يستنفر «الطائفة» في وجه عون
وقعُ بيان رئاسة الجمهورية الذي صدر عقب لقاء بعبدا جاء صاعقاً على بيت الوسط ما دفع تيار المستقبل الذي اتخذ تموضعاً حربياً أشبه بحالة طوارئ سياسية وإعلامية الى إعلان النفير واستنفار الطائفة السنية في وجه رئيس الجمهورية وإثارة المخاوف من الاعتداء على اتفاق الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة، حيث وصف بيان رؤساء الحكومات السابقين الذين عقدوا اجتماعاً «غبّ الطلب» بيان رئاسة الجمهورية بأنه غير دستوري. بالتزامن عقد الحريري اجتماعاً استثنائياً مشتركاً لكتلة المستقبل النيابية والمجلس المركزي ما ينذر بأن البلاد أمام معركة مفتوحة حول التأليف والصلاحيات والدستور والميثاق بين الرئاستين الأولى والثالثة ستمتدّ حتى ولادة الحكومة.
وأكدت كتلة المستقبل أن «الرئيس الحريري أكد أن الصيغة التي يعمل عليها ليس فيها منتصر أو مهزوم وهي تراعي تمثيل القوى الرئيسية في البرلمان وتؤسس لصفحة جديدة بين الأفرقاء من شأنها ان تعطي دفعاً للاستقرار والمصالحة». مجدّدة تمسكها باتفاق الطائف نصاً وروحاً و«أي محاولة للخروج عنه هي محاولة للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء». وأضافت: «الدعوات لإلزام الرئيس المكلّف بمهل للتأليف تسعى عن سابق إصرار للذهاب إلى أزمة مفتوحة لا طائلة منها».
من جهته أعلن الحريري في دردشة إعلامية عقب استقباله النائب تيمور جنبلاط أنّه «مقتنع بما قدّمته لرئيس الجمهورية وكنت أكاد أكتب المسودة بنفسي ولا أدري من أين اتت هذه التحليلات». وقال: «صلاحياتي واضحة ونقطة على السطر. والمسودة تضمّنت تضحيات من الجميع، وإذا أنا كنت قد قدمت الصيغة لتيار المستقبل كان ليرفضها، ولكن لبنان أهم من الأحزاب».
«لبنان القوي»: هناك مسّ بصلاحيات الرئيس
في المقابل وصف تكتل «لبنان القوي» بعد اجتماعه الاسبوعي برئاسة الوزير جبران باسيل تشكيلة الحريري برفع عتب، رافضاً الاحتكار بتمثيل الطوائف، «لأنه ضد الديموقراطية، ولذلك اعتمدنا النظام النسبي لتمثيل الجميع».
وحذّر أمين سرّ التكتل النائب ابراهيم كنعان من «محاولة لإجهاض نتائج الانتخابات النيابية وعدم احترامها، وسأل كيف يمكن احترام الدستور ورأي الشعب، والالتفاف في الوقت عينه على نتائج الانتخابات؟». وتابع كنعان «هناك مسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية والتفاف على دوره متحججين بالطائف، ما يدفعنا الى السؤال: هل اصبحت ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته وفقاً للدستور والطائف تهدّد سائر المؤسسات الدستورية في البلاد وموقع الرئيس المكلّف؟ طبعاً لا. فرئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور وهو الوحيد الذي يقسم على احترام الدستور. وما شهدناه من ردود بالأمس على بيان بعبدا غير مقبول. فنحن نحترم صلاحيات كل المؤسسات الدستورية، ونرفض استمرار النمط الذي رافق تطبيق الطائف. وعلى الجميع أن يعي أن هذا النمط لا يمكن أن يمر مع الرئيس الحالي. فرئيس الجمهورية مؤتمن على شراكة حقيقية وفعلية، ونطالب باحترام صلاحياته ودوره». وقال «لسنا على استعداد للبقاء بلا حكومة، ولكننا لن نكون شهود زور ديموقراطياً ودستورياً ونريد ان تكون النقاشات في الحكومة العتيدة للعمل الفعلي، لا بخلفية الالتفاف على العهد ودوره».
وبحسب معلومات «البناء» أتت صيغة الرئيس المكلف خالية من أية حقيبة خدمية لرئيس الجمهورية، مع اكتفاء الرئيس الحريري بإعطاء الوطني الحر حقيبة خدمية واحدة تتمثل بوزارة الطاقة في حين أعطى القوات وزارات العدل والإعلام والشؤون الاجتماعية والتربية، مع إشارة المصادر إلى أن حقيبة التربية يريدها الحزب الاشتراكي في الأصل.
وأشارت مصادر التكتل لـ»البناء» الى أن «انتقاد رؤساء الحكومات لبيان رئيس الجمهورية ليس في محله، إلا إذا كانوا يريدون الرئيس صورة. وهو الوحيد الذي أقسم على صون واحترام الدستور. وهذا إجحاف بحق الرئيس»، واصفة بيان رؤساء الحكومات بالمذهبي والطائفي والبعيد عن منطق بناء الدولة وتعدٍّ على رئيس الجمهورية، مؤكدة بأن «الحكومة لن تشكل من دون توقيع رئيس الجمهورية»، موضحة أن «حق التوقيع الذي منحه الدستور للرئيس يعني حقه بالاطلاع والمناقشة ووضع الملاحظات وطلب التعديلات». وأبدت المصادر استغرابها لأن «صيغة الحريري لا تختلف عن صيغته الأولى كثيراً التي سبق وناقشها مع عون ورفضها، فلماذا الإصرار على تقديمها مرة أخرى؟»، موضحة أنها «لا تراعي القواعد التمثيلية». ولفتت الى أن «الكرة في ملعب الرئيس المكلّف الذي عليه أن يعيد النظر بالتوزيع»، موضحة أن «الرئيس سيعود الى الدستور في الوقت المناسب لوضع النقاط على الحروف إذ لا يحق للرئيس المكلف وضع مفتاح التأليف في جيبه الى ما شاء الله».
«القوات»: سنعود الى الـ5 وزراء والسيادية
وأكّد النائب جورج عدوان أنّ «القوات نزلت إلى الحدّ الأدنى من حقوقها، فظنّ البعض أنه «بازار» وبعد ما حدث سنعود إلى مطلبنا بخمسة وزراء مع حقيبة سيادية وما حدث لا يضرّ إلا بالعهد». وقال «عملية التسهيل التي قدمتها القوات هي للتسهيل والبعض الذي لم يقبل الدور الذي لعبته القوات فيعلم أن المتضرّر الأول من تأخير الحكومة هو العهد وآن الأوان للتيار التنازل للتشكيل». وأشار النائب السابق فادي كرم إلى أنّ «رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل يواجه إيجابية القوات اللبنانية بتعنت». وأكّد في حديث تلفزيوني أنّ «نهج الاستئثار بالسلطة والتسلّط يتمثّل اليوم بباسيل». وقال: «في حال لم يكن للبعض أي استيعاب للوضع فنحن ذاهبون إلى أزمة كبيرة».
وردت أوساط نيابية في التيار الوطني الحر على كلام القوات واصفة سلوكها بأنه «لعب ولاد» مشيرة لــ «البناء» الى «المنطق التعطيلي الذي دأبت عليه القوات منذ بداية المشاورات»، مشددة على «أننا لن نقبل بأي تشكيلة يتمكن من خلالها القوات والاشتراكي من عرقلة مسيرة الحكم والعهد طيلة 4 سنوات»، مشددة على أن «تهديد القوات لن يدفع التيار للتنازل عن حقوقه، وبالتالي لا يمكن أن تنال القوات 4 حقائب خدمية».
واستقبل الحريري في «بيت الوسط» وزير الإعلام موفداً من رئيس القوات سمير جعجع، بحضور الوزير غطاس خوري وجرى عرض لآخر المستجدات والجهود المبذولة لتشكيل الحكومة الجديدة. كما استقبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي في عين التينة.
عودة مئات النازحين الى سورية
على صعيد أزمة النازحين، عاد الى سورية أمس مئات النازحين عبر معبر جديدة يابوس ، وذلك عبر جهود مشتركة بين الأمن العام اللبناني وحزب الله والسلطات السورية، ولفت نائب محافظ ريف دمشق راتب اللحام الى أنّ «السلطات السورية سهلت دخول المواطنين السوريين وسرعت الإجراءات على الحدود وهي تعمل على تأمين عودتهم كي لا يبقى أي مهجر سوري خارج وطنه»، موضحاً انّ «العدد الكلي للعائدين من المهجّرين السوريين من لبنان عبر معبر جديدة يابوس وصل الى 30 ألف وعادوا لمنازلهم في ريف دمشق».