تجاذبات وغموض في بغداد عشية جلسة البرلمان… وتحالف العبادي يعلن تشكيله الكتلة الأكبر
وزير خارجية فرنسا: الأسد ربح الحرب… ونتشاور مع محور أستانة لخريطة السلام
عون ينتظر مسودة أو أكثر… و«تشاؤل» بري يتعمّم بغياب لقاء الحريري ـ باسيل
كتب المحرّر السياسي – البناء
يظهر العراق كساحة حاسمة لبلورة المشهد الإقليمي عشية انعقاد مجلس النواب اليوم في جلسة دستورية يفترض أن تشهد أداء القسم للنواب الفائزين، وتسمية الكتلة الأكبر ليليها انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس جديد لمجلس النواب، وتسمية رئيس الحكومة الجديد، وقد بات شبه مؤكد انعقاد جلسة اليوم التي كانت موضع تجاذب. كما بات شبه مؤكد أداء القسم للنواب المنتخبين. ووفقاً لما صدر عن المحكمة الاتحادية والمفوضية العامة للانتخابات، سيكون ممكنة تسمية الكتلة الأكبر بمعزل عن قدرة رئيسها ضمان تأييد النواب المنتخبين على لائحته للتحالفات التي وقع عليها، وهذا يعني أن نجاح التحالف الرباعي الذي يضمّ رئيس الحكومة حيدر العبادي سيتمكن من تسجيل ورقي لفوزه بتشكيل الكتلة الأكبر، بعدما نجح مساء أمس، بالحصول على تواقيع رؤساء كتل ونواب منفردين يقتربون من النصف زائداً واحداً من أعضاء المجلس النيابي، وهو 165 نائباً، مع انضمام كتلة أسامة النجيفي إلى التحالف، لكن المشكلة ستقع عند الدخول في تسمية الرؤساء، والعجز عن بلوغ العدد المطلوب للفوز أي 165 لكون قرابة الثلاثين نائباً ممن سيؤدون القسم وتتكرّس عضويتهم لمجلس النواب لن يصوّتوا مع رؤساء لوائحهم، خصوصاً في كل من تكتل العبادي وتكتل الرئيس الأسبق للحكومة إياد علاوي. فيما تتم بالتوازي مساعٍ تشكيل تحالف يضم كتلتي الفتح ودولة القانون والمحور الوطني والتحالف الكردستاني، والمنسحبين من كتلتي العبادي وعلاوي، للتقدم بعد تثبيت عضوية النواب المنسحبين من الكتلتين وانضمامهم إلى التحالف الجديد ليتمّ الدخول في مسار الطعن بتشكيل الكتلة الأكبر، والعودة إلى مربع تسمية المرشحين للرئاسات الثلاثة. وهو ما تقول مصادر متابعة في بغداد أنه مسار مفتوح على كل الاحتمالات مع الاستعصاء المرجح بالفوز في انتخابات الرؤساء أو في تشكيل أغلبية نيابية لتشكيل الحكومة عندما يصبح الأمر بتصويت النواب وليس بتسمية دفترية لحجم الكتل بتوقيع رؤسائها.
بالتوازي كانت سورية التي تستعدّ لملاقاة معركتها الفاصلة في إدلب، تنتظر اجتماعات قمة طهران لرؤساء روسيا وإيران وتركيا والتي سيكون لوضع إدلب حيز هام منها، بعد تصنيف تركيا لجبهة النصرة كفصيل إرهابي، كمؤشر على الاستعداد لتفاهم عسكري ميداني معها، وسط ترجيحات بمراحل تمر بها معركة إدلب، تحدّث عنها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان لـ»راديو فرانس»، بقوله إن الرئيس السوري بشار الأسد ربح الحرب، لكنه لم يفز بالسلام، معتبراً أن معركة إدلب تشكل وضعاً محرجاً بين الحرب والسلام، وأن فرنسا تسعى مع العواصم المعنية في مسار أستانة لإطلاق مسار سياسي يضم إصلاحات دستورية وينتهي بانتخابات، ولتفادي مخاطر الوضع الإنساني الصعب في معركة إدلب، مضيفاً التحذير الفرنسي التقليدي للدولة السورية من استعمال السلاح الكيميائي.
لبنانياً، يتواصل التشاؤل الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري حول مستقبل الوضع الحكومي، حيث ينتظر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون زيارة متوقعة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، يحمل فيها مسودة تشكيلة حكومية أو أكثر، ومع كل منها المعايير التي اعتمدها في تشكيلها، ومدى تجانسها في التعامل مع المكوّنات التي تتمثل في الحكومة، ومع نتائج الانتخابات النيابية، بينما أوحى عدم انعقاد اللقاء المتوقع بين الرئيس الحريري ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل بأن الأمور لم تنضج بعد لتقديم التشكيلة الحكومية التي تحتاج توزيعاً للحقائب وفقها، يفترض أن يشمل التفاهم مع الكتل المعنية، والكبرى منها على الأقل، حيث قالت مصادر متابعة للملف الحكومي إن قضية عدد الحقائب ونوعها حتى عندما يتم التفاهم عليها لا تحسم تشكيل الحكومة، فكيف سيتمّ إرضاء القوات بأربع حقائب خدمية من دون المساس بحصص الكتل الأخرى؟
الحريري وجعجع يرقصان على حافة الانهيار…
فيما كان الرئيس نبيه بري والأوساط السياسية تترقب اللقاء المنتظر بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل الذي سيفتح طريق بعبدا أمام الحريري وبالتالي لولادة آمنة للحكومة العتيدة، بالتزامن مع شخوص عيون اللبنانيين نحو انفراج حكومي يشكل بصيص الأمل الوحيد للبدء بمعالجة أزمات البلد على أبواب عام دراسي جديد، كان الرئيس المكلف ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يرقصان على حافة الانهيار الاقتصادي الذي يُبشر به الإعلام الخليجي في أحد الأعراس بالغردقة في مصر، غير مُبالييَّن بحجم الأزمة الحكومية وما ينتج عنها من تفاقم لمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومعاناة المواطنين بسب انقطاع الماء والكهرباء في ظل الحر الشديد وجمود لافت في الحركة التجارية والاقتصادية.
وتراجع منسوب التفاؤل بولادة وشيكة للحكومة إذ لم تُسجِّل عطلة نهاية الأسبوع أي لقاءات لتذليل العقبات، فلم يعقد لقاء الحريري باسيل ولم يَزُر الحريري رئيس الجمهورية كما كان متوقعاً، ما فسّرته مصادر مراقبة بأن جولة المشاورات الأخيرة الذي أجراها الرئيس المكلف لم تؤدِ الى النتائج المرجوة ما يعني بأن المراوحة سيدة الموقف والعقد على حالها لا سيما توزيع الحصة المسيحية التي أصبحت على ما يبدو مرتبطة بالمستقبل السياسي لكل من القوات والتيار الوطني الحر الى جانب العقدة الخارجية المتمثلة بالضغوط والشروط الأميركية السعودية على الرئيس المكلف.
قاسم: مَن يربط الحكومة برئاسة الجمهورية واهم
وقد برز موقف لافت لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من الملف الحكومي، بقوله: «إذا كان البعض يظن أن ربط تأخير تشكيل الحكومة بالخارج أو بأزمات الخارج يؤدي إلى حل، فنقول له لا إنما ذلك يؤدي إلى مزيد من التعطيل، وإذا كان البعض يربط تشكيل الحكومة برئاسة الجمهورية ويعتقد أن موقعه في داخل الحكومة يهيئ له أن يكون رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي فهو واهم». وأضاف: «رئاسة الجمهورية لها مسار آخر عندما يحين وقتها. فلا تضيّعوا الوقت على أحلام لا يمكن أن تتحقق من خلال الحكومة». ورأى قاسم أن «الحكومة هي ضرورة ملحة في هذه المرحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وقد ضاق الوقت، ويجب أن ننتهي وننجزها لمصلحة الناس».
وإذ أشارت أوساط مراقبة الى أن كلام الشيخ قاسم هو رسالة شديدة للحلفاء والخصوم في آن معاً لا سيما الى الوزير باسيل، نفت مصادر حزب الله لـ«البناء» أن يكون باسيل هو المقصود والمعني بكلام الشيخ نعيم قاسم»، موضحة أن حزب الله يحثّ جميع الأطراف على التنازل للمصلحة الوطنية وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن»، مشيرة الى أن «لا مؤشرات على قرب تأليف الحكومة وأن اللقاءات الأخيرة لم تذلّل العقد الحكومية».
إلى ذلك، لم تخرج عن القوى السياسية مواقف جديدة إزاء الوضع الحكومي، فالقوات لم تبارح مطلبها بحقيبة سيادية أو 4 حقائب خدمية، بينما يُصرّ الحزب التقدمي الاشتراكي على الحصة الدرزية كاملة، وأكد النائب وائل أبو فاعور «أن الاستعصاء الحالي في تشكيل الحكومة مرده الى قضية واحدة وعقدة واحدة تمنع تشكيل الحكومة هي عقدة الاستئثار والتحكم والاحتكار والسيطرة لمن ظن أن مشروعه السياسي لا يقوم الا على إلغاء مواقع القوى السياسية التي لا تعجبه ولا تؤيده ولا تسير مساره ولا تنحني لمشيئته». في المقابل أعلن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان رفضه للحلول الوسطية، وقال عبر «تويتر»: «كل من يحاول طرح ما يُسمّى بأسماء وسطية في التمثيل الدرزي هو حصان طروادة للعهد وتوجهاته، ولن نقبل بها لا في الشكل ولا في المضمون كما هو تآمر على التوجهات الاستراتيجية للدروز في خضم التآمر على المنطقة بأسرها». وأضاف: «هذا أمر محسوم ولن نناقش به أحداً، مع العلم أنه لم يُطرح علينا في شكل رسمي، فتحسباً مسبقاً له علينا ان ننبّه منه للإيضاح فقط لا غير».
مراد: سنعارض الحكومة إن لم نُمَثّل
على صعيد العقدة السنية، انتقد النائب عبد الرحيم مراد أداء الرئيس المكلف في عملية تأليف الحكومة، وأشار في تصريح الى أنّ «الحريري يطبّق المعايير على الجميع إلّا في الشارع السني»، كاشفًا أنّ «51 في المئة من الأصوات السنية كانت لصالح النواب العشرة من خارج « تيار المستقبل ». وأشار مراد إلى أنّه «في حال لم يحصلوا على وزير في الحكومة، فإنّ النواب السنة المستقلين سيكونون في الحدّ الأقصى من المعارضة لمواجهة الحكومة، ولن يمنحوها الثقة في مجلس النواب»، مبيّنًا «أنّه التقى الحريري مرّات عدة في السابق للتعاون معًا، إلّا أنّ الحريري خاض معركته ضده».
السعودية تحرّض اللبنانيين على سحب ودائعهم
وفي غضون ذلك، يشتد الضغط الخارجي على المقاومة ولبنان مع التهديد بخطر انهيار اقتصادي ومالي مقبل، بينما عمد الإعلام السعودي الى شن حملة إشاعات وتهديدات بسحب ودائعه من المصارف اللبنانية، غير أن مصادر مالية مطلعة أوضحت لـ«البناء» أن «السعودية سحبت كامل ودائعها في المصارف اللبنانية والبنك المركزي خلال السنوات القليلة الماضية ولم يعُد لديها أية ودائع، لكنها اليوم تمارس ضغوطاً على اللبنانيين العاملين في السعودية لسحب ودائعهم من لبنان وتدفع بعض وسائل الإعلام العربية والغربية التي تمولها الى بث إشاعات وتقارير من شركات مالية للتأثير على الوضع المالي في لبنان كجزء من الحرب الأميركية الإسرائيلية الخليجية على لبنان». كما أشارت المصادر الى أن «تقرير وكالة «ستاندرد آند بورز» الذي يتحدث عن تصنيف لبنان الائتماني للبنان جاء ليدحض كل هذه الإشاعات عن انهيار اقتصادي وشيك في لبنان جراء الأزمات الذي يعاني منها. وجاء التقرير ليؤكد التصنيف نفسه في السنوات الماضية ولم يلحظ أي تراجع بل أكد بأن الوضع مستقر».
تهديد السعودية للعاملين اللبنانيين لديها يستدعي مسارعة وزارة الخارجية اللبنانية الى التحرك مع سفارتي لبنان والسعودية الى حماية القوى اللبنانية العاملة في المملكة من الضغوط والتحريض الذي تمارسه السلطات السعودية عليهم لسحب ودائعهم من البنوك اللبنانية ما يشكل انتهاكاً لحقوق المواطنين اللبنانيين وتهديداً جديداً للعلاقات بين البلدين».
وأشارت وكالة «ستاندرد آند بورز» الى أن «تصنيفها الائتماني للبنان عند «B-/B» مع نظرة مستقبلية مستقرة»، مشيرةً الى «ان انعدام الاستقرار السياسي دفع بمصرف لبنان الى القيام بعمليات مالية غير عادية وغير مستدامة لتلبية احتياجات التمويل الخارجي للحكومة والمحافظة على الثقة في ربط العملة»، وتوقعت أن يستمر عبء الدين الحكومي في لبنان بالصعود الى مستويات مرتفعة اصلاً بحلول العام 2021، لكن التدفق للودائع سيبقى كافياً لدعم العجز المزدوج الكبير خلال السنة المقبلة».
من جهته، طمأن وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد في حكومة تصريف الأعمال نقولا تويني، في بيان، إلى أن «لا خطر بتاتاً على الليرة اللبنانية، إذ إن إمكانيات المصرف المركزي والبنوك مرتفعة جداً، وبإمكان البنك المركزي أن يعتمد سياسة شراء للسندات الحكومية بالليرة في أي وقت يختاره مناسباً لزيادة الكتلة المالية المتداولة وتنشيط حركة السندات والحركة النقدية وزيادة سرعة التداول النقدي». وأضاف: «إن سياسة التيئيس لن تنفع وقد مررنا بتجارب طويلة حصّنت الاقتصاد والمؤسسات».
السفير الروسي
على صعيد آخر، أكد السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين أن «بلاده تشجّع جميع الأطراف على الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة»، مشيراً الى أن «العقد تنقسم بين داخلية وخارجية»، مشدداً على أن «انتظار بعض الأفرقاء لما سيحدث في المنطقة غير مجدٍ، وبالتالي فلا بد من الوصول الى حل وسطي داخلياً»، معتبراً أن «العقوبات الأميركية على حزب الله تعرقل إيجاد الحلول الداخلية وتؤثّر سلباً على ما يجري». وأشار زاسيبكين الى أن «طرفاً في لبنان يريد تعاوناً كاملاً مع سورية من أجل حلّ أزمة النازحين فيما فريق ثانٍ يريد تفاعلاً أمنياً وليس سياسياً».