خبر

مَن رفضت «القوات» أن تلتقي.. وما رسالتها لـ«الحزب»؟

عماد مرمل – الجمهورية

تحوّل المعنيون بتشكيل الحكومة الجديدة الى لاعبي «شطرنج»، حتى باتت الرقعة المزدحمة بالبيادق والموجودة في غرفة استقبالات سعد الحريري في «بيت الوسط» اشبه بمجسّم لمفاوضات التأليف، ومحاكاة لها. وعندما زار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الرئيس المكلف منذ ايام اختار أن يحرّك «الحصان» الى الامام، محدِثاً شيئاً من الخرق في المعادلات المستعصية. ربما تكون هذه النقلة مجرد مناورة لإلقاء مسؤولية العرقلة على الآخرين، وربما تشكل منعطفاً حقيقياً في مسار التأليف. وأيّاً يكن الامر، يبقى انّ الصورة لن تتّضح قبل أن يحرك اللاعب الآخر جبران باسيل بيدقه، حتى يُبنى على «نقلته» مقتضاها.
يبدو جعجع وكأنه يحاول أن يبيع الآخرين من كيسهم. هو يدرك في قرارة نفسه انّ منح «القوات» حقيبة سيادية أمر متعذّر لاعتبارات عدة، ناهيك عن قناعته بأنّ هناك حقائب أخرى هي في الشكل أقلّ «رتبة» لكنها في الجوهر اكثرُ «خصوبة»، وفق معايير الواقع اللبناني. ومع ذلك، لم يكفّ الرجل عن السعي الى أن ينتزع من خصومه وحلفائه على حدٍّ سواء «تعويضاً» مناسباً مقابل تخلّيه عمّا لا يملكه اساساً.

تعمّد جعجع رفع سعر الوزارة السيادية في «سوق الاحد» الحكومي حتى يتمكّن من بيعها بثمن ملائم عندما يحين أوان حسم الخيارات. بهذا المعنى، هو لا يجد ضيرا في مقايضة حقّ نظري غير قابل للصرف عمليا، بسلة وزارات وازنة يمكن أن يُستخرج منها «نفوذ سائل» او خدمات حيوية من شأنها أن تفيد «القوات» في تعزيز رصيدها الشعبي على الساحة المسيحية في مواجهة «التيار الحر».

تحت سقف هذه الحسابات، زار جعجع الرئيس المكلف قبل ايام وقال له: دولة الرئيس، أنا أريد صادقاً، أن اساعدك في تجاوز عقبات التأليف وأن أُسهّل مهمتك قدر المستطاع، لكن الامر يتوقف في نهاية المطاف على طبيعة العرض النهائي الذي سيُقدَم لي.

واضاف جعجع مخاطباً الحريري: من باب تقديم المزيد من التسهيلات لك، أنا لم أعد مصرّاً على «السيادية»، لكن في الوقت ذاته لست مستعداً للتنازل عن حقنا فيها إذا لم يكن البديل مقبولاً، بحيث يتناسب مع حجم «القوات» وموقعها. نحن نريد 4 حقائب وزارية وازنة، من دون وزير دولة، وعندها فقط نستغني عن «السيادية»..

وخلال مأدبة العشاء التي اقامها الحريري على شرف ضيفه، كشف احد الحاضرين من المستشارين، انّ وزيراً بارزاً في تكتل «لبنان القوي» أبلغ اليه انّ هدف «التيار الحر» من السعي الى الحصول على 11 وزيراً هو التحسّب لأسوأ الاحتمالات المستقبلية، حتى لا يصبح مصير «التيار» او الحكومة رهينة طرف آخر في أيّ لحظة مباغتة، وغير محسوبة، تجنّباً لتكرار تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي استمرت في الاجتماع واتّخاذ القرارات، استناداً الى اكثرية من لون 14 آذار، متجاهلة في حينه غياب المكوّن الشيعي الذي كان قد استقال منها.

وجعجع الذي يحظى بتفهّم الحريري لطروحاته، يبدو مهتمّاً كذلك بتطوير العلاقة «المنتعشة» مع الرئيس نبيه بري وبمحاولة البناء على نقاط التقاطع الظرفية التي تجمعه به في هذه المرحلة، وهذا ما يفسّر الزيارات المتلاحقة التي يقوم بها وزير الإعلام ملحم الرياشي، الى عين التينة، موفداً من جعجع لتبادل الافكار ووضع رئيس المجلس في صورة ما يُعرض على «القوات».

وعُلم انّ جعجع طلب من الرياشي إبلاغ بري بأنّ «القوات» ليست بتاتاً في وارد عرقلة ولادة الحكومة، بل إنها تبدي أقصى المرونة الممكنة للتعجيل في التأليف، وتتجاوب مع أيّ اقتراح واقعي يراعي ما تستحقه.

وفي المعلومات، أنّ «القوات» ارادت ايضاً أن توصل عبر «قناة» عين التينة رسالة غير مباشرة الى «حزب الله» فحواها انه «لا توجد لدينا ايّ نيّة لاستهداف الحزب او الضغط عليه من بوابة تشكيل الحكومة، وأنّ مطالبتنا بحقيبة سيادية لم تكن موجّهة ضده والدليل أننا أظهرنا استعداداً للاستغناء عنها مقابل بديل مقبول، كما انّ إصرارنا على حصة وزارية وازنة لا يرمي الى تضييق الخناق عليه او الى تعطيل ولادة حكومة الوحدة الوطنية لتسهيل محاصرته وملاقاة العقوبات والضغوط التي يتعرض لها، كما قد يفترض البعض، بل نحن نتمسّك بتشكيل حكومة تضمّ الجميع، على أن تراعي حجمنا وفق ما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية..»

ولئن كانت جسور معراب ممدودة مع بري والحريري، إلّا انها لا تزال مقطوعة على المستوى السياسي مع قيادة «التيار الحر» تحت وطأة ازمة الثقة المستفحلة بين «القوات» والوزير جبران باسيل. وحصل اخيراً أن اتصل نائب «برتقالي» بالنائب القواتي جورج عدوان وقال له إنّ قيادياً بارزاً في «التيار» يريد أن يلتقيه، مستفسراً عن امكان تحديد موعد، لكنّ عدوان رفض عقد الاجتماع وأبلغ محدّثه انّ استئناف اللقاءات بين قيادتي الجانبين لا يمكن أن يتمّ إلّا على قاعدة اعادة الاعتبار الى اتفاق معراب، إضافة الى أنّ التواصل السياسي محصور أصلاً بسمير جعجع او بملحم الرياشي، «ونحن لا نحبّذ الدوبلة وتجاوز هذه الآلية».