ايلي الفرزلي – الأخبار
تعود قضية «لينك» إلى مجلس النواب مجدداً. اللجنة المكلفة إيجاد صياغة مقبولة للفقرة الخلافية تحمل اقتراحاً وسطياً في الشكل، لكنه لا يجيب عن سؤال نيابي متكرر: لماذا الإصرار على نموذج «لينك»، خلافاً للنماذج المعتمدة عربياً وعالمياً؟
بعد عطلة صيفية استمرت أسبوعين، تعود اللجان النيابية المشتركة، اليوم، لاستكمال جدول أعمالها، تحضيراً للجلسة العامة التي يبدو أنها لن تكون بعيدة، حسب الرئيس نبيه بري. أبرز ما سيطرح هو المادة 79 من مشروع قانون المعاملات الإلكترونية، الذي أقرته اللجان، واستثنت منه تلك المادة التي تتعلق بإدارة أسماء النطاقات الوطنية («.لبنان وlb. وأي نطاق آخر يتعلق بالدولة اللبنانية»).
كما في اجتماعات اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة، طوال السنوات الماضية، استمرت النقاشات في الاجتماع الأخير للجان بالدوران باتجاهين، الأول، يدفع باتجاه تسليم المهمة لجمعية «المركز اللبناني للإنترنت» (linc)، التي تقدمت بعلم وخبر إلى وزارة الداخلية، ولا يزال طلبها معلقاً، والثاني، يؤكد وجوب تولي الدولة اللبنانية المهمة من خلال أي مؤسسة عامة أو خاصة تتعاقد معها أو عبر الهيئة الناظمة للاتصالات، انطلاقاً من أن هذا القطاع سيادي ولا يجوز تسليمه لجمعية لا سلطة للدولة عليها.
بعيداً عن فئة النواب الذين لا يدرون ما يشرّعون، فإن آخرين قرروا خوض المعركة حتى النهاية. مؤيدو «لينك» ينطلقون من مسألتين: الأولى، اقتناعهم بأن الدولة مقبرة الإبداع، وبالتالي، يميلون إلى تفضيل القطاع الخاص بلا نقاش، والثانية، تقديرهم أن لبنان الرسمي لا يملك دوراً مؤثراً في قطاع الإنترنت العالمي، وبالتالي ليس هو من يقرر إدارة أسماء النطاقات، إنما منظمة ICANN (هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة). هؤلاء النواب وبرغم أن قدرتهم على التأثير أعلى، مدعومين من رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير الذي يستضيف الجمعية في مركز الاتحاد، إلا أنهم يواجهون رأياً نيابياً مضاداً يحمل طابعاً تقنياً ــــ قانونياً أصر على رفض تسمية «لينك» في القانون، انطلاقاً من أنه لا يجوز أن يكون القانون مفصلاً على قياس أي جهة، إنما واجبه أن يساهم في وضع الإطار العام، وأكثر من ذلك وقف هذا الفريق رافضاً مبدأ التسليم بإدارة جمعية سبق إنشاؤها القانون موضع البحث، بما يوحي أن القانون وُجد ليشرع وجودها بدلاً من أن يكون سابقاً لها.
وفيما كان المخرج حينها في تشكيل لجنة برئاسة الوزيرة عناية عز الدين مهمتها توفير صيغة مقبولة من الجميع، علمت «الأخبار» أن اجتماعاً عقدته اللجنة أمس في مكتب عز الدين، وبحضور النواب: ياسين جابر، نديم الجميل، رولا الطبش ونقولا نحاس، واتفقت خلاله على صيغة للفقرة ستعرض على النواب، اليوم، وتنص على إنشاء هيئة مختلطة بين القطاعين العام والخاص، تضم وزارات: الاقتصاد، الاتصالات والتنمية الإدارية، إضافة إلى الهيئة المنظمة للاتصالات وغرف التجارة وممثلين عن المجتمع الرقمي وآخرين، تكون مهمتها محصورة بإدارة أسماء النطاقات.
بذلك، تكون اللجنة قد وافقت على نموذج «لينك»، من دون أن توافق عليها بالإسم. أي أنها أوجدت صيغة وسطية شكلية تراعي الداعين إلى اعتماد «لينك» وكذلك الرافضين لتشريع جمعية سبق تشكيلها القانون. لكن المشكلة أن هذا الحل، لم يستجب لوجهة النظر الداعية إلى تولي الدولة مسؤولية القطاع أو على الأقل تولي مسؤولية تلزيمه إلى أي جهة كانت، خاصة أو عامة، مقابل تولي الرقابة على أعمالها، ولا تفسير لذلك، إلا تعاظم الميل النيابي والسياسي لخصخصة كل القطاعات بشكل غير قانوني، إلا إذا تمكن الرافضون من تعديل المسار، وخصوصا أن معظم الدول العربية تعتمد على الهيئات الناظمة لإدارة أسماء النطاقات.
«أيكان» لا تتدخل
أول ما يواجهه الرافضون هو «الخديعة» التي تقول إنه لا سلطة للدولة اللبنانية على إدارة نطاقاتها، والتي ركز عليها عدد من النواب في مداخلاتهم في الجلسة السابقة. كما ركزوا على أن ICANN اعتمدت LINK لإدارة النطاقات اللبنانية. وعليه، فإن السؤال المطروح هو: هل يوجد أي مستند يثبت حصول «لينك» على اعتماد من قبل المنظمة الدولية؟ وهل يعقل أن هذه المنظمة أعطت كياناً غير موجود قانوناً حق إدارة نطاقات وطنية؟ ولو كان الأمر كذلك، فلماذا لم تبدأ «لينك» عملها بعد؟ والسؤال الأهم هو: هل تتعامل ICANN مع أي جمعية شبيهة في العالم، أم أنها ستكون الحالة الأولى؟
وإذا كانت الدول العربية لا تشكل مثالاً يحتذى بالنسبة إلى البعض (تدار أسماء النطاقات إما من جهات حكومية أو من هيئات منظمة للاتصالات)، فماذا عن أميركا؟ هل «الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات» (NTIA) هي منظمة رسمية أم لا؟ أليست تابعة مباشرة لوزارة الاقتصاد؟ وأليست هي المسؤولة عن النطاقات الأميركية؟ هل أعطت ICANN موافقتها على تولي تلك الإدارة للأعمال الخاصة بالنطاقات الأميركية، أم أنها اكتفت بتبلغّها بذلك، بوصفها المسؤولة عن الإدارة التقنية للإنترنت في العالم؟
باختصار، فإن «أيكان»، لا تتدخل باختيار ممثلي أي بلد، إنما هي ملزمة بالتعامل مع أي جهة تبلغها السلطات الرسمية أنها كلفتها، وهذه يمكن أن تكون من القطاع العام أو الخاص أو حتى عبر شراكة بين القطاعين، لكن العكس ليس صحيحاً، إذ لا يمكن للمنظمة الدولية أن تقرر مع من تتعامل وتعمد إلى إبلاغ البلد المعني بقرارها.
الهيئات الناظمة
أكثر من ذلك، عندما أراد الاتحاد الدولي للاتصالات، وهو إحدى المنظمات المتخصصة التابعة للأمام المتحدة، أن يساعد الدول الباحثة عن تنظيم قطاع الإنترنت، وخاصة ما يتعلق بتنظيم النطاقات العلوية، ما كان منه إلا أن قدّم اقتراح قانون نموذجي شامل غير ملزم طبعاً، لكنه يشكل وسيلة مساعدة لمن يحتاج، يتضمن اعتماد الهيئات المنظمة لإدارة تلك النطاقات ومراقبة المسجلين.
حتى مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري (الدورة ١٤٥) سبق أن اعتمد على الهيئات المنظمة لإدارة النطاقات العربية. وبمشاركة لبنان، قرر «التعاقد مع هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات لتشغيل وإدارة النطاقين العلويين العربيين العاميين «.عرب» و«arab.»، لفترة أولى (3 – 5 سنوات) باسم ولمصلحة جماعة الدولة العربية وتحت إشراف مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات».
كل ذلك يؤكد أن المطلوب المزيد من التأني قبل بت المادة 79، وخاصة وسط مخاوف نيابية من مخاطر أمنية تتعلق بطبيعة القطاع. كذلك فإن لهؤلاء خشية من سيطرة جهات محددة على موارد كبيرة جداً، ولا سيما أن الأمر لا يتعلق حصراً بنطاقي «.لبنان» و«lb.» إنما بكل نطاق ممكن، وهذا يفتح الباب أمام أسماء نطاقات لا أحد يعرف أين تبدأ وأين تنتهي، علماً بأن أكثر من عمل على التحذير من خطورة مسألة أسماء النطاقات، كان المدير العام السابق للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف. وقد أشار الأخير في رسالة إلى رئيس اللجنة الفرعية سامر سعادة، مؤرخة في 8/10/2015 إلى «عدم القدرة على الفصل بين موضوع إدارة وتنسيق وتشغيل نظام أسماء النطاقات وبين مسألة الأمن السيبراني والجريمة الإلكترونية، وخصوصاً لجهة متابعة القرائن والأدلة وعناوين الإنترنت وأسمائها، وما تستدعيه من عمليات ضبط وتنسيق تقوم بها الأجهزة الرسمية اللبنانية تطبيقاً للقوانين اللبنانية».
ويوسف لا يكتفي في رسالته بالتحذير من الخطر الأمني إنما يذهب إلى التأكيد على أن أسماء النطاقات هي مورد من موارد الأملاك العامة التي تقع إدارتها ضمن نطاق مسؤوليات الدولة وحصريتها وتخضع للمادة 89 من الدستور.
وعليه، ومع تأكيد عدد من أعضاء اللجنة أن يوسف كان رأس الحربة في مواجهة مشروع «لينك»، من خلال تعطيل حصولها على العلم والخبر، وكذلك من خلال تعطيله إقرارها في اللجنة الفرعية، وفي ظل انقسام الآراء في اللجان المشتركة، ثمة من يقترح من النواب استدعاءه للوقوف على ما لديه من معلومات، ربطاً بالدور الذي مارسه.
قرار لم ينفذ
سؤال برسم الحكومة الغائبة وبمجلس النواب الحاضر وبرسم الساعين إلى الإيحاء بأن لبنان مسيّر وليس مخيّراً في مسألة النطاقات: هل يعلم هؤلاء أنه سبق لمجلس الوزراء أن قرر في 7/2/2008، «تكليف هيئة أوجيرو القيام بمهمات إدارة أسماء مواقع نطاقات الإنترنت العامة في لبنان وأن تقوم باستلام الوحدة المعنية في الجامعة الأميركية»؟ وهل يعلمون أن الحكومة لم تسع حينها إلى أخذ موافقة ICANN على ذلك الإجراء السيادي، إنما اكتفت بإبلاغها بالقرار؟ إذ ورد في البند 2 من قرار مجلس الوزراء (البند 1 ينص على تنظيم عملية الانتقال) ما حرفيته: «قيام الجامعة الأميركية في بيروت بإبلاغ الهيئات الدولية المختصة بانتقال المهام العائدة إلى إدارة الـــ«lb domains» إلى هيئة أوجيرو».
الأكيد أن القرار لم ينفذ، أما الأسباب فيفترض أن يجيب عنها المعنيون المباشرون في ذلك الوقت، ويوسف منهم، وإن أشير حينها إلى ضغوط مورست في أكثر من اتجاه، أدت بالسلطة السياسية إلى تجميد عملية الانتقال.