ميسم رزق – الاخبار
«سعودي أوجيه» السابقة و«أوجيه تيليكوم» اللاحقة. بهذه العبارة يُمكن اختصار مصير الإمبراطورية المالية للرئيس سعد الحريري. الأولى، سارت نحو الإفلاس، والثانية، أصبحت ملكاً للمصارف بعدما أصدرت وزارة الخِزانة والمالية التُركية المُوافقة النهائية على نقل مُلكية الحصة الأكبر من «ترك تيليكوم» إلى الدائنين.
منذ أقل من عام أفلسَت «سعودي أوجيه»، إحدى أكبر شركات المقاولات في العالم العربي. خسر الرئيس سعد الحريري «منجم ذهَب» ورثه عن والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، قبلَ أن تبدأ شركاته بالتساقط كأحجار الدومينو. يوم أمس، أعلنت شركة «ترك تيليكوم» التركية نقل مُلكية الحصة الأكبر منها إلى مجموعة من البنوك التركية الدائنة. و«ترك تيليكوم» هي الاستثمار الأكبر لـ«أوجيه تيليكوم»، التابعة لـ«سعودي أوجيه». وبنقل ملكيتها الى المصارف الدائنة، تكون «أوجيه تيليكوم» قد أصبحت بحكم الميتة سريرياً، في انتظار إعلان وفاتها. تمّ إبلاغ شركة «أوتاس» التابعة لمجموعة «أوجيه تيليكوم» المملوكة من قِبل الحريري بقرار الإستحواذ على «ترك تيليكوم».
وفي التفاصيل، أعطَت وزارة الخِزانة والمالية التُركية المُوافقة النهائية على نقل مُلكية الحصة الأكبر من شركة الاتصالات التركية «ترك تيليكوم» إلى مجموعة من البنوك الدائنة، وفق ما أعلنت «ترك تيليكوم». هذا ما نقلته الصحف التركية، أمس، مشيرة إلى أنه تمّ إبلاغ شركة «أوتاس» التابعة لمجموعة «أوجيه تيليكوم» المملوكة من قِبل الحريري (تملك 55 في المئة من أسهم شركة الاتصالات التركية) بهذا القرار، الذي اتخذته الوزارة في 17 الشهر الحالي، بعد عجز الشركة عن تسديد ديونها. وهو ما اعتبرته أوساط تركية بأنه عملية «نصب واحتيال» قامت بها شركة الحريري التي كانت قد حصلت على قروض تقدر قيمتها بأكثر من 7 مليارات دولار أميركي (في حين تشير بعض التقديرات إلى أكثر من ذلك)، و«تهربت» من تسديد قروض مستحقة برغم تسجيلها أرباحاً. وذلك استناداً إلى ما كشفته وزارة الإتصالات التركية العام الماضي بأن «ترك تيليكوم» حققت أرباحاً بقيمة 2.5 مليار دولار في عام 2014، و1.3 مليار دولار في كل من 2015 و2016، مؤكدة أن المشكلة ليست «ترك تيليكوم» نفسها، بل تكمن في فشل الشركة التي تملك الحصة الأكبر من الأسهم في سداد الديون المترتبة عليها.
وبحسب صحيفة «حرييت» التركية، فقد أتى القرار بعدما تقدّمت البنوك الدائنة (Akbank وGaranti وİşbank)، في تموز الماضي، بطلب نقل الأسهم إليها وذلك بعد عامين من المفاوضات والمشاورات حول كيفية معالجة مسألة عدم سداد القروض من قبل «أوتاس». وقالت الصحيفة إن «الأسهم ستتوزّع على البنوك بما يتناسب مع قيمة القروض التي سبق أن منحتها لـ«أوتاس». وذلك وفق الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة التركية وعدد من الشركات القانونية. إذ كان (Akbank ) قد منح الشركة قرضاً بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في حين منحتها ( Garanti) قرضاً بقيمة مليار دولار و(İşbank) قرضاً بقيمة 500 مليون دولار.
القرار الصادر عن وزارة الخزانة والمال التركية سبقته أخبار تحدّثت عن أن البنوك الدائنة لشركة «أوجيه» وافقت على إنشاء «شركة ذات أغراض خاصة» للسيطرة على حصة شركة «أوجيه» بشركة الاتصالات التركية «ترك تيليكوم»، في إطار سعيها لحل أكبر مشكلة اقتراضية في البلاد.
وكانت وكالة (بلومبيرغ) الدولية قد نقلت عن مصادر خاصة في شهر تموز الماضي أن 90% من البنوك التي قدمت قرضاً للشركة بقيمة 4.75 مليارات دولار، وافقت رسمياً على إنشاء الشركة الخاصة التي ستتولي إدارة حصة أوجيه بشركة الاتصالات التركية. ونقلاً عن المصادر، قالت الوكالة إن «البنوك المقرضة ستحصل على حصة في الشركة التي سيتم إنشاؤها حديثاً، وفقاً لمساهمتهم في الدين». وكانت «أوجيه» قد اقترضت هذه الأموال في عام 2013 لتمويل إستحواذها على 55% من شركة الاتصالات التركية «ترك تيليكوم»، لكنها تخلّفت عن سداد ديون تتجاوز الـ 290 مليون دولار، ما عدا الفوائد.
تهرب الشركة من تسديد الديون «هو عملية نصب واحتيال» بحسب أوساط تركية
والوكالة نفسها سبق أن كشفت في كانون الثاني 2017 أن شركة «الاتصالات السعودية STC» منحت قرضاً بقيمة 160 مليون دولار لشركة «أوجيه تيليكوم». وأن الشركة ستتمكن من سداد دفعة كانت قد تخلّفت عن سدادها بقيمة 290 مليون دولار من مجمل ديونها. فالشركة السعودية تملك نسبة 35% من «أوجيه تيليكوم» كانت قد اشترتها مطلع عام 2008 من عائلة الحريري بما يقارب الـ 2.61 مليار دولار.
وعلمت «الأخبار» أن «STC» كانت قد سعت إلى شراء «ترك تيليكوم»، لكن السلطات التركية رفضت الأمر. وهذا الرفض جاء نتيجة قرار سياسي ارتبط بالدرجة الأولى بالخلاف بين تركيا والسعودية. وقالت مصادر مطلعة على أحوال الشركة إنه «في ظل الوضع الراهن لأوجيه تيليكوم، وبعد اندثار سعودي أوجيه والوضع الاقتصادي الحالي في تركيا، فقد كان الخيار الوحيد المتاح هو وضع المصارف الدائنة يدها على الشركة».
وتتفاعل قضية الشركة منذ أكثر من عامين، وقد اشتدت أزمتها في حينها نتيجة انخفاض الليرة التركية أمام الدولار. ففي شهر أيلول 2017، صرّح وزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية أحمد أرسلان بأن «الملكية ربما تتغير في (ترك تيليكوم). وستقوم الخزانة أو نحن، بفعل المطلوب»، معتبراً أنه «لا يمكن السماح بتآكل مؤسسة بارزة مثل ترك تيليكوم».
وتعُد «ترك تيليكوم» أكبر شركة تمّت خصخصتها في تاريخ تركيا، بقيمة بلغت 6.5 مليارات دولار من أصل إجمالي عوائد الخصخصة البالغة 72 مليار دولار. وفي مزاد أقيم في تموز 2005، قدمت مجموعة «أوجيه للاتصالات» العرض الأكبر بقيمة 6.55 مليارات دولار، متفوقة على عرض مجموعة «اتصالات جاليك هولدنغ» البالغ 6.5 مليارات دولار. وفي حين تملك مجموعة أوجيه أغلبية 55 بالمئة من الشركة، تملك وزارة الخزانة التركية 25 بالمئة منها ويملك صندوق الثروة التركي الحكومي 5 بالمئة، فيما يتم تداول 15 بالمئة من أسهم الشركة بين عامة المستثمرين.