صحيفة الجمهورية
ظلّت الاهتمامات الداخليّة أمس موزّعة بين ملفّ تأليف الحكومة المتعثّر والذي لاحت مؤشّرات على احتمال تحرّكه إيجاباً في ضوء مشروع تشكيلة وزاريّة سيقدّمها الرئيس المكلّف سعد الحريري، وبين التطوّرات الإقليميّة والدوليّة الجارية، والتي تثير مخاوف من حصول أحداث كبرى، خصوصاً في سوريا نتيجة التصعيد في الموقفين الأميركي والإسرائيلي، وردّ دمشق وحلفائها عليه، في وقت لوّحت إيران بالانسحاب من الاتّفاق النووي المعقود بينها وبين مجموعة الدول الست، والذي خرجت منه الولايات المتحدة الأميركيّة، وعاودت فرض عقوبات على طهران.
فقد بدا أمس أنّ لبنان واقع بين أزمة حكومية مفتوحة على رغم الحراك الجديد في محاولة للخروج منها، وبين أزمة إقليمية – دولية في المنطقة، مفتوحة أيضاً على كلّ الاحتمالات.
ففي الداخل، سجّل شريط التحركات الآتي:
– إتّصالات بعيدة من الأضواء يجريها الرئيس المكلّف تحضيراً لتقديم مسودة تشكيلة وزارية.
– تحذير رئيس مجلس النواب نبيه برّي في «لقاء الأربعاء» النيابي من انّ المجلس ذاهب الى التشريع، وانّه سيدعو الى جلسة تشريعية، بعد ان تنتهي اللجان من درس مشاريع عدّة، خصوصاً تلك المتعلقة بالوضع المالي، مُجددّاً التأكيد على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، ومعتبراً انّ بداية الحلول هي في وجود حكومة وحدة وطنية تجيب عن كلّ الأسئلة وتعمل لمواجهة الاستحقاقات.
– زيارة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لبكركي واجتماعه الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وذلك غداة اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في «بيت الوسط».
– تحرّك الراعي في اتّجاه القصر الجمهوري، واجتماعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
– زيارة رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع مساء أمس «بيت الوسط».
– بروز مواقف دوليّة تحضّ المسؤولين على الإسراع في تأليف الحكومة، وجديدها تأكيد وزير الشؤون الخارجية والأوروبية جان إيف لودريان خلال مؤتمر السفراء المنعقد في باريس «دعمه الحكومة العتيدة في لبنان والإصلاحات الاقتصادية المنبثقة من مؤتمر «سيدر»، وسياسة «النأي بالنفس» عن النزاعات الإقليمية». وكذلك تأكيد سفير روسيا في لبنان ألكسندر زاسبيكين لـ«الجمهورية» انّ الروس «معنيّون بتأليف الحكومة». وقال: «إنّنا نتكلم مع جميع الجهات المعنيّة ونشجّعها على إيجاد الحلول الوسطى، ونعتبر انّ حكومة تقوم على قاعدة المشاركة الواسعة هي الخيار الأفضل». واصفاً الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي وسعد الحريري بأنّهم «ثلاثي جيّد للبنان وتعاونهم مفيد». (راجع ص 4).
إلّا انّ بعض المراقبين لاحظوا ان «لا الحراك ولا الضغوط ولا التمنّيات ولا النصائح أسفرت بعد عن تحريك عملية تأليف الحكومة، لأنّ الشروط الداخلية هي رأس جبل الجليد الذي يغطّي المواقف الخارجية التي تفرض شروطها على الدولة اللبنانية، وكأنّها تُعدّ لإدخال لبنان مجدّداً في زمن الوصايات وليس الوصاية الواحدة».
لا ضوء أخضر
وفي السياق، استبعدت مصادر مطّلعة على الاتّصالات، أن تؤدي المشاورات ولاسيّما منها الأخيرة، إلى خرق في جدار التأليف الحكومي المسدود. وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ المناخ الإقليميّ لم ينضج بعد تسهيلاً لقيام حكومة لبنان، انظروا الى العراق، وحكومة العراق، والنفوذ الإيراني – الأميركي – السعودي بين العراق وسوريا، إذ لم تتضح بعد معالم توزيعه، ما يعني انّ لبنان ما يزال على سلّم الانتظار». وأضافت: «سيكون على عاتق الرئيس المكلّف في هذه المرحلة التمهيد وتهيئة الأجواء من خلال فكفكة العقد». وقالت: «العقدة الدرزية حلّها لم يعد صعباً بعدما لاحت ملامح تسوية دخل الرئيس برّي على خطّها، عبر اختيار وزير درزي ثالث بينه وبين رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكيّ» النائب السابق وليد جنبلاط».
أمّا العقدة «القوّاتية»، فكشفت المصادر عن طرح لدى الحريري في شأنها يُنتظر ان يكون قد عرضه مع جعجع خلال لقائهما مساء أمس «فإذا ما قبل جعجع به يعني انّ التشكيلة الحكومية تكون قد انتقلت الى الضوء الأصفر، أمّا اذا رفضه فمعناه ان لا حلّ قريباً».
ودعت هذه المصادر «الى عدم الاستخفاف بالعقدة السنّية التي لم تكن في الواجهة على الرغم من انّ العقدتين الدرزية والمسيحية سرقتا الأضواء». ونقلت عن مرجع كبير معني بتشكيل الحكومة قوله انّ «من غير المقبول ان يُختصر كلّ التمثيل السني بتيار «المستقبل»، فلا بد للمستقلين من ان يتمثلوا في مفهوم حكومة الوحدة الوطنية». وقلّلت المصادر من أهمية تأثير المحكمة الدولية على مسار التأليف الحكومي، وقالت: «انّ هذا الموضوع منفصل تماماً ولن يكون له تأثير مباشر على ولادة الحكومة، فهو موضوع قديم والمواقف حوله معلنة». وذكّرت «انه في خضم أزمة المحكمة الدوليّة لم يكن لها تأثير على الوضع السياسيّ الداخلي».
وأكدت المصادر إيّاها «انّ الحريري سيرفع تشكيلة وزارية الى رئيس الجمهورية خلال الساعات الـ24 المقبلة، لكن ليس بالضرورة ان تكون هذه التشكيلة هي الحلّ، فلن تكون سوى مسودة حلّ لأن الفترة هي فترة فكفكة عقد في انتظار الضوء الأخضر الإقليميّ الذي يفتح طريق ولادة الحكومة».
السنيورة في بكركي
وفي معلومات «الجمهورية» انّ السنيورة الذي وضع زيارته للبطريرك الماروني في إطار «التماس بركة غبطته لزيارة الفاتيكان مع مجموعة من الإخوة الأعضاء في مجلس العلاقات العربية والدولية»، طلب من بكركي كمرجعية وطنية تأكيد تمسّكها بـ«اتّفاق الطائف»، في الوقت الذي يحاول البعض الالتفاف على صلاحيات الرئيس المكلّف ودوره، وذلك حرصاً على الحياة الميثاقية والتآلف الناشئ منذ سنوات بين القوى المؤمنة بسيادة لبنان واستقلاله.
الراعي في بعبدا
وفي ضوء هذا الامر تندرج ايضاً زيارة الراعي لرئيس الجمهورية أمس، علماً انّ موعد هذه الزيارة كان محدّداً قبل زيارة السنيورة لبكركي.
وقال الراعي بعد الزيارة: «يبدو أنّ هناك في اليومين المقبلين عرضاً من الرئيس المكلف للرئيس عون حول تشكيل الحكومة». وأضاف: «شعرت أنّ الرئيس عون متفائل لجهة ما سيحمله الحريري في شأن تشكيل الحكومة».
وعلمت «الجمهورية» انّ الراعي شدّد خلال اللقاء «على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة ووقف دلع الأطراف وشروطها»، وأكّد «انّ الحلّ هو حكومة متوازنة لا يكون فيها إقصاء ولا عزل ولا تحجيم»، وشدّد على «ضرورة أخذ التحديات الكبرى القائمة في المنطقة في الاعتبار، إذ لا يجوز مقارنة هذه التحديات مع الشروط الصغيرة الموضوعة في درب تأليف الحكومة».
واعتبر الراعي انّه «لا يجوز ان يكون المجتمع الدولي يساعدنا ويحضّر لمؤتمرات للنّهوض بلبنان مالياً واقتصادياً، ونحن لا نستطيع تشكيل الحكومة».
واكتفت مصادر بكركي بوصف اللقاء بين الراعي وعون بالإيجابي، وقالت لـ«الجمهورية» انّ «البطريرك استند في تفاؤله بعد خروجه من لقاء رئيس الجمهورية الى تطمينات عون بأنّ الحكومة قريبة، وأنّ الحريري سيقدّم له تشكيلة من الممكن أن تكون الحلّ للأزمة الحكومية التي تعصف بالبلاد، خصوصاً انّ الجميع وصل الى الحائط المسدود وبات بحاجة الى مخارج».
تحدّيات الخارج
أمّا في الخارج، فقد تصاعدت نسبة التحديات بين إيران والولايات المتحدة الاميركية. وبعدما كانت نقطة السخونة في هذا النزاع هي سوريا، انتقلت هذه النقطة الى مضيق هرمز، حيث للمرة الاولى ترافقت التصريحات الاعلامية العسكرية مع تحركات عسكرية ميدانية بحراً وجواً ورسَت أساطيل روسية ومدمرات أميركية، عدا عن المناورات التي تجريها إيران. إضافة الى انّ الخبراء لاحظوا نوعاً من استنفار معيّن للقوات الأميركية الموجودة في منطقة الخليج.
في هذا الوقت، حذرت إيران «الدول الأجنبية المعادية» من أيّ محاولات لمخالفة القانون الدولي في مضيق هرمز، مؤكّدة جهوزيّة قواتها لمواجهة أيّ خرق والسيطرة على المضيق.
تزامناً، ظلّ الإعلان عن اتفاق للتعاون العسكري بين سوريا وإيران يتفاعل، وتستمر تردّداته في الخارج، وخصوصاً في إسرائيل التي كرّرت تهديداتها بمهاجمة أهداف عسكرية إيرانية في سوريا ومواقع للجيش السوري. وأكد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي سيواصل نشاطه «بحزم وقوة» ضدّ محاولات إيران نشر قواتها المدجّجة بالسلاح على الأراضي السورية»، وقال انّ «أيّ اتفاقات بين سوريا وإيران عاجزة عن منعنا من ذلك».
بدوره، قال وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتز انّ «الاتفاق الذي أُبرم بين بشار الأسد وإيران يشكل اختباراً لإسرائيل، سيكون ردنا واضحاً وجليّاً».
وأضاف: «لن نسمح لإيران بالتمركز عسكرياً في سوريا. سنردّ بكلّ قوتنا ضدّ أيّ هدف إيراني يمكن أن يهدد إسرائيل، وإذا تدخل الدفاع الجوي للجيش السوري ضدّنا فسيدفع ثمن ذلك».
وعلى المقلب السوري، وعلى وقع تزايد الحديث عن اقتراب معركة إدلب، تسارعت التحركات الديبلوماسية وعُقدت محادثات في موسكو بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السعودي عادل الجبير. كذلك حضر الملف السوري في محادثات أجراها في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي توجه الى أنقرة عصر أمس في زيارة لم تكن متوقّعة.