خبر

«السوبر سفير» في بغداد: على خطى السبهان!

خليل كوثراني – الاخبار

ليست بغداد استثناءً مما تكشفه «الإمارات ليكس» حول طبيعة عمل سفراء دولة الإمارات في الدول العربية. على أن العراق، كساحة صراع وبلد متشظّ، يظهر أكثر دسامة لنشاط أجهزة أبو ظبي المتنطّحة لدور إقليمي في تعقّب التفاصيل الداخلية بغية التأثير والتدخل، واعتراض خطوط الصراع الإقليمي المتشابكة عند بلاد الرافدين. السفير الإماراتي لدى العراق، حسن أحمد الشحي، وإن تستّر في تحركاته الظاهرة بلبوس يضفي عليه طابعاً أكثر لباقة ودبلوماسية من نظيره السعودي السابق ثامر السبهان، إلا أن مراسلات الشحي لدولته تظهره كـ«سوبر سفير» على خطى السبهان، وتظهر سفارته معقلاً يتجاوز دوره محددات الدبلوماسية، والأخطر تميط اللثام عن طريقة التفكير الإماراتية تجاه العراق في مرحلة ما بعد «داعش» وافتتاح ملف إعادة الإعمار واحتدام الأزمة الخليجية.

«تجسّس» الشحي وفريقه على الساسة العراقيين والمسؤولين وحتى العسكريين والرصد الدقيق لتحركاتهم، والاستعانة بـ«مصادر موثوقة» لاستطلاع نشاطهم، لا يعني بحال من الأحوال أن كل «التحليلات» التي يقدمها السفير لمرجعيته في أبو ظبي تتسم بالكفاءة والرجاحة. وتقود تقارير السفير الشحي إلى عدائية راسخة بحق فئات عراقية وازنة، يصفها بـ«القوى السياسية والميليشيوية المعارضة لانفتاح العراق على محيطه العربي». يزعم الشحي في برقية حصلت عليها «الأخبار» أن «موقف رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) أقرب إلى المحور السعودي». البرقية تجلي بوضوح انخراط أبو ظبي في العمل على مجابهة النفوذ الإيراني في بغداد، عبر احتواء العبادي، أو ما يطلق عليه السفير الإماراتي «المحور القطري ــــ الإيراني»، لحساب «محور المقاطعة (لقطر) الذي تتبناه السعودية والإمارات». فدول الخليج العربي، وفق البرقية، أصبحت «تدعم الأخير (العبادي) من أجل التخلص من النفوذ الإيراني الطاغي في العراق».

لكن الحساسية الإماراتية ترتفع مع رصد أي مسعى للدوحة للدخول إلى العراق، سواء من بوابة القيام بدور منافس في «عملية إعادة إعمار العراق بعد انتهاء حقبة تنظيم داعش الإرهابي»، أو إعادة افتتاح سفارة قطر في بغداد. وهذا ما ركزت عليه برقية صادرة بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن سفارة الإمارات في بغداد، ممهورة بتوقيع السفير الشحي، وتتضمن تقريراً له حول زيارة وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، لقطر (في تشرين الثاني الماضي)، ولقائه الأمير ورئيس الوزراء ووزير الخارجية. يورد السفير الإماراتي معلومات حول أسباب زيارة الجعفري للدوحة «حصلنا عليها من أحد مصادرنا الموثوقة» ــــ كما يقول ــــ «تفيد بأن الزيارة أتت كجزء من التحرك المنسق، الأردني العراقي، باتجاه قطر، بعد أخذ الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية بحسب المصدر، من أجل إعادة دولة قطر إلى الصف العربي، وإبعادها عن المحور الإيراني». وبحسب زعم البرقية، فإن الحكومة العراقية توافرت لديها معلومات تفيد بأنه «تمت بلورة خطة تحرك إيرانية قطرية داخل العراق من أجل إرباك الوضع السياسي القائم في البلد، من خلال دعم جهات سياسية داخلية وخارجية وقوى ميليشيوية تعارض توجهات رئيس الوزراء حيدر العبادي المتمثلة بالانفتاح على المحيط العربي، وتحضير الأرضية لها للفوز بالانتخابات (التشريعية) القادمة (الأخيرة)، وعلى رأسها (نائب الرئيس العراقي ورئيس الوزراء السابق) نوري المالكي». لكن الشحي يعود ويضع الزيارة في خانة «مقاربة قد تبدو متناقضة مع الانفتاح السعودي على العراق، ومحاولة إيران إحراج رئيس الوزراء حيدر العبادي أمام بقية دول الخليج العربي، التي أصبحت تدعم الأخير من أجل التخلص من النفوذ الإيراني الطاغي في العراق».

أما على الضفة القطرية، فيرى السفير الإماراتي أن الدوحة تحاول من خلال الزيارة «الخروج من العزلة المفروضة عليها خليجياً وعربياً، وتدرك جيداً موقف رئيس الوزراء العراقي (العبادي) الأقرب إلى المحور السعودي، ومن هنا فهي تحاول أن تكون مواقفها متماشية مع توجهات الحكومة العراقية وأولوياتها، وخصوصاً الموقف من قضية الاستفتاء وملف إعادة الإعمار، وأن يكون وجودها الدبلوماسي والاقتصادي في العراق بمستوى الوجود السعودي والإماراتي».

ومن اللافت، في تقرير السفير الشحي، توقفه طويلاً عند تصريحات الجعفري من الدوحة، المنتقدة لقناة «الجزيرة» القطرية، حيث يقتبس موقف وزير الخارجية العراقي مع مراسل القناة، حين رفض الإجابة عن أسئلته، قائلاً: «قناة الجزيرة عملت على تغذية أدب الفرقة وارتكاب خطأ تاريخي في ذلك»، مضيفاً أنه عندما تصحح «الجزيرة» تلك الأخطاء «ستلقى مني تجاوباً واحتراماً».

الشحي: قطر تستعين بضباط عراقيين

في برقية للسفارة الإماراتية في العراق، تحمل تاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر (الماضي)، مذيلة بتوقيع السفير الإماراتي حسن أحمد الشحي، وفي إطار ملاحقة النشاط القطري في المنطقة، يبلّغ الأخير دولته بمعلومات أمنية حصلت عليها بعثته «من مصادرها الخاصة» تفيد باستعانة أجهزة قطرية بضباط عراقيين سابقين. ويرد في الرسالة المقتضبة التي لا تتضمن تحليلاً أو مقترحات إضافية، أن «دولة قطر تقوم بإعادة تأهيل المركز الاستراتيجي للعلوم العسكرية، وقد تمت الاستعانة بعدد من ضباط الجيش العراقي السابق». ويذكر الشحي من بين هؤلاء اسم اللواء الركن السابق صالح الصايل.

وفي سياق يظهر متابعة دقيقة من قبل أبو ظبي للساسة والنخب العراقيين بمن فيهم «الأصدقاء» المفترضون للإمارات، يحذر السفير الإماراتي من أن «صالح الصايل ووسام الحردان سيشاركان في الانتخابات (التشريعية) المقبلة ضمن كتلة السيد مقتدى الصدر»، من دون أن توضح البرقية أسباب إيراد اسم الحردان أو صفته. وينبّه الشحي حكومة بلاده أيضاً إلى أن «المملكة العربية السعودية قدمت دعوة لعدد من أعضاء كتلة الصدر في ذكرى المولد النبوي، وعلمنا بأن صالح الصايل ووسام الحردان من ضمن المرشحين لزيارة السعودية ضمن كتلة الصدر في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري (الماضي)».