صهيب عنجريني – الاخبار
معركة إدلب المُرتقبة لن تكون قصيرة. هذه أوضحُ الملامح التي يُمكن الإجماع عليها حتى الآن. وتكفّل التّأجيل المتكرّر لإطلاق شارة البدء بفتح الباب أمام تغييرات مُحتملة في طريقة تعاطي مختلف الأطراف مع المعركة حال اندلاعها. وبقدر ما أتاحت التأجيلات الفرصة أمام اللاعبين الإقليميين والدوليين لبحث أدق التفاصيل المرتبطة بملف إدلب، فإنّها قد أسهمت في إضفاء تعقيدات جديدة على المشهد البالغ التعقيد أصلاً.
ولا يمكنُ فصل التصعيد الغربي الأخير ضدّ دمشق عن سيناريوات إدلب واحتمالاتها، على رغم ميل بعض التحليلات إلى قراءة ذلك التصعيد من زاوية أميركيّة/ ترامبيّة، عبر الربط بينه وبين زيادة وتيرة الضغوط الداخليّة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ما يبدو مُستغرباً هو الاستيقاظ الغربي الذي بدا متأخّراً في توقيته، فنواقيس معركة إدلب كانت قد بدأت بالقرع منذ مطلع الشهر الجاري، ما يقود تالياً إلى التساؤل عمّا أفرزته المحادثات الروسيّة التركيّة، والروسيّة الأميركيّة، وراء الأبواب المغلقة على امتداد الشهر الماضي، وعن علاقة ذلك بـ«الصحوة الغربيّة». وينبغي الأخذ في الاعتبار أنّ «الساعة الصفر» لأولى مراحل المعركة المُرتقبة كانت لتُعلن في أي لحظة على امتداد الشهر الجاري، وعلى رغم ذلك ظلّ الأميركيون ملتزمين بالصمت، قبل أن يقرّروا أخيراً الدخول على الخط بقوّة من بوّابة «الأسلحة الكيماويّة». وليس من المُستبعد ارتباط التصعيد المتأخّر بتغيّر محتمل طاول الخطط العسكريّة التي أعدّها محور دمشق وحلفائها لإدلب، ليصبح الهدفُ المتوخّى إقفال ملفها في شكل نهائيّ بدلاً من تقسيم المعركة إلى مراحل تتخلّلها فترات تبريد للجبهات. المؤكّد أنّه مع انتصاف الشهر الجاري أُتيح رصد الكثير من التغيّرات، سواء في معسكر دمشق وحلفائها الذي سجّل زيادة لافتةً في التحشيد حول إدلب وتوسيعاً لرقعته، أو في معسكر «الجهاديين» الذين باشروا حراكاً ميدانيّاً متسارع الوتيرة في ريفي حلب الجنوبي والغربي، بالتزامن مع حراكٍ أميركي موازٍ بدأ بوتيرة منخفضة قبل أن ينعطف قبل يومين في مسار صاعدٍ سريع (راجع «الأخبار» 17 آب 2018). وحتى نهار أمس، لم توحِ الصورة بأنّ التهديدات الغربيّة ستُفضي إلى إخراج معركة إدلب من رأس قائمة أولويات دمشق وحلفائها المرحليّة، لا سيّما في ضوء زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى دمشق، والتصريحات التي أطلقها وزير الدفاع السوري علي أيوب حول إدلب. وكان أيوب قد أكّد في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني أن «إدلب ستعود إلى حضن الوطن وسيتم تطهير كامل التراب السوري من الإرهاب إما بالمصالحات وإما بالعمليات الميدانية.
ما من معركة إلا وانتهت وفق ما تم التخطيط لها بالنصر على الإرهاب». ولا يجافي كلام الوزير السوري الواقع في أنّ المجموعات المسلّحة خسرت جميع المعارك التي خاضتها مُدافعةً، بخلاف ما كان عليه المشهد قبل معارك شرق حلب (2016). وعلى رغم ذلك، فإنّ كواليس إدلب عكست في الأسبوع الأخير سعياً محموماً إلى تحصين المواقع الدفاعيّة على مختلف المحاور، علاوةً على نشاط «إعلامي» يسعى إلى ترميم الروح المعنويّة في معسكر المجموعات المسلّحة. وانخرطت «هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة» في نشاط لافت لـ«ترطيب الأجواء» مع معظم المجموعات غير المتحالفة معها، في مؤشّر واضح على المخاوف التي تعصف بمعسكر «النصرة» من تركها وحيدة في عين العاصفة. ويُبدي المعسكر «الجهادي» على وجه الخصوص حرصاً على الإيحاء بأنّ الخلافات قد وُضعت على الرفّ في المرحلة الراهنة. وبدأت أولى ملامح هذا السلوك مع كلمة مصوّرة لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري بُثّت قبل أيام. وعلى رغم أنّ الظواهري لم يدخل في تفاصيل «الجهاد الشامي» فإن الكلمة خُصّصت لدعوة «المجاهدين» إلى «رصّ الصفوف». وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ قادة معظم المجموعات المسلّحة الناشطة في إدلب تحت مسميّات مختلفة كانوا قد تبلّغوا مضمون كلمة الظواهري قبل بثّها. وعُنيت الكلمة المقتضبة (5 دقائق) بالحثّ على «تلاحم المجاهدين واتّحادهم» بدءاً بعنوانها «معركة الوعي والإرادة: البنيان المرصوص». وبدا لافتاً تطابق هذا المضمون مع مضمون كلمة زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني التي نُشرت بالتزامن، وخُصّصت للحديث عن معركة إدلب على رغم أنّها جاءت في ظاهرها لـ«التهنئة بعيد الأضحى». وحرص الجولاني على الإشارة إلى «اجتماع كل الفصائل» ووضع خُطط دفاعية أمنيّة وعسكريّة وإنشاء غرفة عمليّات مشتركة، كما خصّ المسلّحين الذين وفدوا من مناطق التسويات بالإشادة بـ«بطولتهم وعزمهم على التصدي لأي عدوان يستهدف إدلب». وإذا كان التناغم بين الجولاني والظواهري أمراً غير مستغرب على رغم خلافاتهما، فإنّ الغريب هو حرص زعيم تنظيم «داعش» بدوره على الإشارة إلى وجوب «اجتماع كلمة المجاهدين». وكان أبو بكر البغدادي قد وجّه كلمة صوتيّة طويلة قبل أيام، تناول فيها جوانب كثيرة من بينها «أهميّة وحدة الصف ومخاطر التفرّق». وعلى رغم استحالة «رأب الصدع» بين «داعش» وبقية المجموعات «الجهاديّة» فإنّ التركيز على «الدعوة إلى التلاحم» في الكلمات الثلاث قد يقدّم مؤشراً إلى انعطافة ما في الأدبيّات «الجهاديّة» لمختلف التنظيمات ظاهريّاً على الأقل. وتزيد التفاصيل المذكورة من الخصوصيّة الاستثنائيّة لمستقبل إدلب، بما يتجاوز ملف «الجهاد الشامي» إلى «الجهاد العالمي». ومن المُنتظر أن يتحوّل سلوك المجموعات «الجهاديّة» في معركة إدلب حال اندلاعها إلى اختبار حاسم يضع على المحكّ إمكانيّة تجاوز الخلافات التنظيميّة لمصلحة «الجهاد» بعمومه. ويمكن تلمّس ملامح الطموحات «الجهاديّة» في شأن مستقبل إدلب في رسالة وجّهها «الجهادي» الأردني إياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني) قبل فترة وجيزة إلى «الأمّة». وحرص القيادي في تنظيم «حرّاس الدين» (ذراع جديد لتنظيم «القاعدة» في سوريا) على مقارنة المشهد السوري اليوم بنظيره الأفغاني في العام 2001. ورأى الأردني أنّ الفرصة متاحة لتكرار سيناريو أفغانستان في سوريا، إذا «صمد المجاهدون على رغم سقوط المناطق، وتسلّحوا بالصبر إلى أن تهدأ العاصفة». اللافت أن أبو جليبيب أشار إلى «عدم أهميّة حجم السيطرة الجغرافيّة» في موازين المعركة الكبرى، وهو أحد المضامين البارزة التي احتوتها كلمة زعيم «داعش» قبل أيّام.
المحيسني: «جيش الفتح» وُلد من جديد
لم يتأخّر السعودي عبد الله المحيسني في الدخول على خط «ترميم الروح المعنويّة» على أعتاب معركة إدلب. وكشف عن أنّ «كل الفصائل قد توافقت على تشكيل غرفة عمليّات تحضيراً لمعركة إدلب»، وأنّ هذه الغرفة هي صورة عن «جيش الفتح» لكن من دون اعتماد التسمية ذاتها. وذكّر بـ«إنجازات جيش الفتح» الذي كان أحد أبرز عرّابيه، قبل أن «يُبشّر» بأنّ «كل فصائل إدلب قد اجتمعت قبل فترة قصيرة، وتوازعت الجبهات وحوّلت نقاط الرباط إلى قلاعٍ مُدشّمة». كذلك، «تمنّى على الإخوة استخدام اسم جيش الفتح لأنّه ماركة مسجّلة حملت رصيداً كبيراً في قلوب المسلمين، ودوراً في دعم الروح المعنويّة». وعلى رغم ما تقدّم، فإنّ كلمة المحيسني بدت «أصدق» من كل الأحاديث «الجهاديّة» التي تؤكّد «طي الخلافات»، فأشار إلى أنّ «القلوب لم تتصافَ بعد، وإن كان الخلاف قد خفّ» وتمنّى أن «تصفو القلوب مع اشتعال المعارك ويزول ما بقي من ضغائن وأحقاد».