صحيفة الجمهورية
مع دخول أزمة التكليف الحكومي شهرها الرابع، تعيش البلاد ترقباً مزدوجاً: الأول ترقّب استئناف حركة مشاورات الرئيس المكلف سعد الحريري بعدما عاد الى بيروت مساء امس، والثاني ترقّب خطوات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والخيارات التي يستعد لها لإخراج التأليف من المراوحة، بعدما حدّد الأول من ايلول سقفاً زمنيّاً لولادة الحكومة.
في هذا الوقت يلتقي عون رئيس الاتحاد السويسري آلان بيرسي، وبعد المحادثات يقيم له غداء عمل، في حضور وزير الخارجية جبران باسيل والوزراء المعنيين، على أن يلبّي بيرسي مساء دعوة الحريري الى العشاء في «بيت الوسط».
حمادة
وفي حين قرأ مصدر وزاري في المهلة التي اعطاها رئيس الجمهورية، محاولة للضغط على الرئيس المكلف ليس إلّا، قال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «إنّ العبرة ليست بالتواريخ بل بالصلاحيات، فلا يجوز لأحد ان يتلاعب بها أو أن يتخطّاها او يتعدّى عليها، فاحترام الطائف والدستور هو الأولوية في التعاطي بين السلطات، وأي تخطّ لهما يُعرّض البلاد واستطراداً العهد الى مزيد من الأزمات».
نصرالله
في غضون ذلك، خيّمت أجواء من التريث والقلق بشأن اتصالات التشكيل، في ظل أجواء تشنّج العلاقات بين بعض الأطراف ولاسيما بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر».
وأكد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ الحزب ما زال يراهن على الحوار الداخلي، لكنّ الوقت يضيق ويجب الاسراع لمعالجة الامر. وقال عن علاقة الحزب بعون: «إنها علاقة ثقة، ولا أحد منا يُملي سياسته وتوجهاته على الآخر».
وأشار نصرالله، في مهرجان ذكرى «تحرير الجرود»، الى «انّ بعض الاوساط في 14 آذار تقول ان السبب الحقيقي لتأجيل تشكيل الحكومة هو أنّ المحكمة الدولية ستصدر قرارات، وبالتالي سيكون هناك وضع جديد سيُبنى عليه»، اضاف: «هذه المحكمة الدولية لا تعني لنا شيئاً على الاطلاق، وما يصدر عنها ليس له قيمة على الاطلاق لأننا لا نعترف بالمحكمة ولا نعتبرها جهة ذات صلة، ونقول لمن يراهنون على ذلك: لا تلعبوا بالنار».
وتوقفت مصادر سياسية معارضة لسياسة «حزب الله»، عبر «الجمهورية»، عند «محاولات نصرالله الظهور بمظهر المعتدل، عندما لفت الى أنّ القول إنّ الحزب يحكم في لبنان «هو لتحميله مسؤولية المشاكل ولتشويه صورتنا وتيئيس الناس»، وقوله: «نحن بتواضع اكبر حزب سياسي، لكن أقل قوة سياسية تمارس نفوذاً في الدولة». وقالت المصادر: «في الحقيقة انّ الحزب يتحكّم بالقرار السياسي والامني والعسكري في البلد، ويسيطر عليه».
كذلك توقفت عند تأكيده بأنّ العلاقة القائمة بين الحزب وعون هي علاقة ثقة، وقوله ان «لا أحد منّا يُملي سياسته وتوجهاته على الآخر». وقالت: وكأننا في دولتين وليس كأنه حزب تابع للدولة، انه يتعاطى مع رئيس الجمهورية من الندّ الى الندّ وكأنّ به رئيس دولة مستقلة».
وتعليقاً على كلام نصرالله بأنّ المحكمة غير موجودة، وقراراتها لا تَعنينا، ولا تلعبوا بالنار، سألت المصادر: «هل يعني ذلك انه ممنوع على أهل الشهداء ان يرتضوا بقرار المحكمة عندما يصدر، فهل هم بذلك يلعبون بالنار؟ هل اننا نسمع بـ 7 أيار جديدة»؟
وقالت مصادر محايدة لـ«الجمهورية»: «في موازاة ملف المحكمة الذي أتى من خارج السياق لأنها مستمرة بقرارات دولية ولا احد يمكنه إيقافها، أبرزَ نصرالله ملفين ساخنين هما ملف الحكومة وملف العلاقات اللبنانية ـ السورية بعدما شكّلت مسألة التطبيع في الاسابيع المنصرمة ملفاً ساخناً، بدليل انّ قوى 8 آذار تركز يومياً على اهمية التطبيع، وجاء ردّ الحريري بسقف عال وتأكيده ان لا حكومة اذا كان هناك اتجاه للتطبيع. فذهب نصرالله باتجاه ترحيل هذا الملف الى ما بعد التشكيل، اي انه في الترجمة العملية يريد إزالة العوائق من امام التشكيل، وطبعاً هو يدرك أنّ هذا الموضوع لن يمرّ، حيث ان توازن القوى السياسية لا يسمح لأي طرف بأن يحقق مبتغاه. عملياً لقد وجّه رسالة الى القوى السياسية التي تدور في فلك 8 آذار، طالباً منها وقف النقاش بهذا الموضوع وترحيله الى ما بعد تأليف الحكومة وحصر التركيز على الملف الحكومي. وثانياً الملف الآخر هو ملف الحكومة، لم يقل مثلاً انه يؤيّد مطالب حليفه الوزير باسيل، بل ترك لحليفه ان يدير العقد القائمة منفرداً من دون ان يوحي بأنّ هناك اي دعم منه بل ان الثنائية الشيعية هي على الحياد».
أوساط وزارية
واستغربت اوساط وزارية إثارة نصرالله موضوع المحكمة «لأنها لم ترد اساساً في مناقشات تشكيل الحكومة، لا كحافز على التشكيل ولا كعائق». وقالت لـ«الجمهورية»: في كل الاحوال، لا قرار سيصدر عن المحكمة في ايلول، وإثارة السيد نصرالله هذا الموضوع يعبّر عن مدى انزعاجه منها. وإذ جدّدت المصادر التأكيد «على ان لا احد طرح المحكمة كعائق في اي مرحلة من مراحل التشكيل»، شددت على «انّ المحكمة لها مسار مستمر في لاهاي وهو متواصل، سواء كانت تعني شيئاً لأحد أم لا».
سعيد
من جهته، اكد النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» انّ اللبنانيين دفعوا أثماناً غالية، من دم واستشهاد رموز وشباب للوصول الى العدالة والحقيقة، ولا شك في انّ ذلك يزعج «حزب الله» فيحاول تجاوزه من خلال «تسخيف» المحكمة الدولية والقول إنها لا تعنيه، فإذا كانت فعلاً لا تعنيه فلمَ يتكلم عنها؟ هذه المحكمة تعني كل اللبنانيين والعرب والعالم، إذ للمرة الاولى في تاريخ المنطقة يحصل اغتيال سياسي وسنعرف من دبّر هذا الاغتيال ونفّذه وأداره. لقد دفعنا ثمن هذا الاغتيال غالياً، وهذا شأن سيبدّل الاوضاع حتماً في لبنان والمنطقة، ودعوة نصرالله الى عدم اللعب بالنار نعتبرها تهديداً مباشراً وهو لا يخيف احداً في لبنان».
واضاف سعيد: «عبثاً يحاول السيد نصرالله اليوم تصوير الأمر وكأنّ صورة الرئيس عون والدولة اللبنانية منفصلة عن صورته. فعون ونصرالله وجهان لعملة واحدة، وما لا يستطيع ان يفعله نصرالله شخصياً يفعله العماد عون دفاعاً عن «حزب الله». بمعنى آخر، السيّد نصرالله غير قادر على التوجّه الى الامم المتحدة او الاتحاد الاوروبي او البنك الدولي، فيتوجه عون والدولة اللبنانية عنوة عنّا للدفاع عنه وعن مصالحه وعن سلاحه، والكل في دوائر القرار اللبناني والعربي والدولي يدرك انّ عون ونصرالله وجهان لعملة واحدة».
جنبلاط
في هذا الوقت، لم يتراجع الحزب التقدمي الاشتراكي عن التمسّك بثلاثيته الوزارية، في وقت استغرب رئيس الحزب وليد جنبلاط في احتفال مؤسسة «العرفان التوحيدية» التركيز السياسي «على أننا نحن من يعرقل»، مذكّراً بتعرّضه لمحاولات حصار «كسرناها بإرادتنا القوية والصلبة»، مؤكداً عدم التفريط «بما حققناه» أو التراجع «عن ثوابت التزمناها»، داعياً الى إلغاء قانون الانتخاب الحالي وتطبيق الطائف وتطويره «من خلال إنشاء مجلس الشيوخ، بعد انتخاب مجلس نيابي لا طائفي، بدل شرذمة البلد عبر القانون الحالي».
وفي السياق، اكدت مصادر جنبلاط لـ«الجمهورية» أهمية خطابه لناحية الرسائل السياسية. الاولى: ردّ التهمة بأنه مسؤول عن تعطيل التأليف مؤكداً انّ حزبه مكوّن أساسي في البلد وقدّم تضحيات ودماء وشهداء، وبالتالي له الحق بأن يتمثّل وزارياً كما أفرزت نتائج الانتخابات.
الثانية والأهم: إعادة طرحه لعنوان الاصلاح السياسي في البلد بأنّ الاصلاح لا يتم بالشعارات، بل بالخطوات العملية من خلال تطبيق اتفاق الطائف وانتخاب مجلس نيابي لاطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ، داعياً الى التفكير بهذه المسألة.
فضلاً عن الرسائل التي وجّهها باتجاه الدروز في سوريا، حيث أوضح أنّ مهمة الحزب الى موسكو برئاسة النائب تيمور جنبلاط هي طلب الحماية الروسية للدروز، ورفض الايحاء بأنّ هذه الزيارة تصبّ في إطار محاولة التطبيع المرفوض مع النظام السوري. وكذلك في اتجاه دروز فلسطين مع صدور قانون القومية. فهذا القانون يؤكد انّ كل المواطنين من غير اليهود هم درجة ثانية، ما يؤكد وجهة نظره وجهوده التي سبق وأن قام بها في الماضي مع دروز فلسطين لرفض الخدمة العسكرية وعدم الانجرار وراء السياسات الإسرائيلية».