خبر

الراعي من إهدن: السياسة تحتاج إلى قيم روحية وأخلاقية وتأليف الحكومة المعتمد يناقض المعايير الدستورية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا إحتفاليا في كاتدرائية مار جرجس – إهدن بمناسبة إعادة تكريس مذبحها وتدعيم الكنيسة وترميمها، خدمته جوقة قاديشا بقيادة الأب يوسف طنوس، وحضره السفير البابوي جوزف سبيتيلي، النائب البطريركي العام على رعية إهدن – زغرتا المطران جوزيف نفاع، النائبان البطريركيان المطرانان سمير مظلوم ورفيق الورشا، رئيس اساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة، المونسنيور اسطفان فرنجية، لفيف من كهنة زغرتا ورؤساء أديار ورهبان وراهبات.

وحضر رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، النواب: اسطفان الدويهي، ميشال معوض وطوني فرنجية، الوزيران السابقان ريمون عريجي ويوسف سعاده، النائبان السابقان سليم كرم وجواد بولس، رئيس الهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير، رئيس اتحاد بلديات زغرتا الزاوية زعني خير، رئيس بلدية زغرتا اهدن سيزار باسيم، منسق “التيار الوطني الحر” في زغرتا بول المكاري، نائب رئيس الرابطة المارونية المحامي توفيق معوض، أسعد كرم، روبير بولس، المهندس زياد مكاري، سركيس بهاء الدويهي، رجل الأعمال سركيس يمين، عدد من رؤساء بلديات القضاء، إضافة إلى ممثلين عن هيئات وجمعيات ثقافية وتربوية واجتماعية وحشد من المؤمنين.

الراعي 
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “روح الرب علي مسحني، وأرسلني” (لو 4: 18)”، قال فيها: “مسح الروح القدس بشرية يسوع، فكان النبي والنبوءة، والكاهن والذبيحة، والملك والمملكة. وأصبح اسمه “مسيحا” بسبب هذه المسحة. وأرسله الله كلمة هادية إلى الخلاص، ومخلصا افتدى الجنس البشري بموته وقيامته، وملكا نشر المحبة والعدالة والسلام. ولقد أشركنا بمسحته، بواسطة المعمودية والميرون، فأصبحنا بدورنا “مسيحيين”، مستنيرين بكلمة الإنجيل، ومقدسين بنعمة الأسرار، ومنتمين إلى كنيسة الوحدة والمحبة. وأرسلنا بدورنا لنكون شهودا له في حياتنا وحالتنا وموقعنا. وهكذا تنكشف لنا هويتنا ورسالتنا من نبوءة آشعيا: “روح الرب علي مسحني، وأرسلني” (لو 4: 18)”.

أضاف: “يسعدني أن نحتفل معكم، لا سيما مع سيادة أخينا المطران جوزيف نفاع نائبنا البطريركي العام في نيابة إهدن – زغرتا، والكهنة والرهبان والراهبات والسادة النواب وسائر الفاعليات، ومعكم جميعا، بتدشين كاتدرائية مار جرجس بعد ترميمها وتدعيمها، وبتبريك مذبحها. وإني أقدم هذه الذبيحة المقدسة معكم، ذبيحة شكر لله الذي، بشفاعة مار جرجس، حقق هذا العمل الكبير بمراحله ال14، على ضوء دراسة عملية – هندسية وتاريخية وأثرية. وقد شمل العمل اشغالا في داخل الكنيسة: المذبح والسكرستيا والتدعيم والبنى التحتية والجدران والتبليط ولوحات القديسن الثلاث التي رسمها الفنان اللبناني الرائد داوود القرم ما بين 1884 و1895، ومراحل درب الصليب والأبواب والمقاعد والثريات. كما شمل أشغالا في الخارج: القبة وسقف الكنيسة والساحة وبيت الكهنة”.

وتابع: “أعرب عن تقديري وشكري لأعزائنا المونسنيور اسطفان فرنجية، الذي قاد هذه الأعمال مع أعضاء لجنة إدارة الوقف وهيئة الإغاثة والشركة التي نفذت الأعمال بإشراف كل من المدير العام للآثار ومكتب الهندسة في زغرتا. ونذكر بصلاتنا كل الذين ساهموا في تحقيق مشروع الترميم والتدعيم، وما رافقه من إنجازات، وهم كثر، سائلين الله أن يكافئهم بفيض من نعمه وبركاته. فإنهم يعتزون مع جميع أبناء إهدن – زغرتا بإعادة الجمال إلى كنيستهم التي بنيت منذ 138 سنة، ووصفها المطران يوسف الدبس الذي واكب بناءها بأنها “من أجمل الكنائس في لبنان وأفسحها”. كما يفتخرون بأنها تحتضن جثمان “بطل لبنان” يوسف بك كرم. وقد شمله الترميم الفني، ليظهر بحلة أبهى. إنكم بدخولكم إلى كاتدرائية مار جرجس، تمتلئون خشوعا ورهبة، ليس فقط لأنها “بيت الله”، بل ولأن الذاكرة تعود بكم إلى كاتدرائية مار جرجس القديمة التي بنيت في الجيل الثامن، ورممت سنة 1927 بأمر من البطريرك الياس الحويك لما كانت تحتوي عليه من جمالية هندسية وجدرانيات ومخطوطات وأوان، غير أنها هدمت في ما بعد بفعل العوامل الطبيعية، فتتذكرون الكهنة والمطارنة والبطاركة، وعلى رأسهم المكرم البطريرك الكبير اسطفان الدويهي، الذي نواكب دعوى تطويبه بالصلاة، راجين أن يظهر الله قداسته، وتعلنه الكنيسة فوق المذابح. هؤلاء ما زال صدى صلواتهم واريج قداستهم يملأ حنايا هذه الكاتدرائية”.

وأردف: “هويتنا المسيحية، هي أن الروح القدس “مسحنا” فصورنا في كياننا الداخلي على صورة المسيح، مشاركين في وظائفه الثلاث النبوءة والكهنوت والملوكية. بالنبوءة نجسد كلام الإنجيل في حياتنا بالأفعال والأقوال، بالكهنوت نفعل من ذواتنا ونشاطاتنا وكل أعمالنا وأفراحنا وأحزاننا قرابين روحية نضمها إلى قربان جسد الرب ودمه، وبالملوكية نبني الوحدة، ونوطد السلام، ونمارس العدالة، ونندد بكل انقسام ونزاع وظلم”.

وقال: “أما رسالتنا فهي إياها التي سلمها الرب يسوع المسيح إلى الكنيسة، بعد أن مارسها وفق نبوءة آشعيا، بأبعادها الخمسة:

الأول: تبشير المساكين، وهم الذين ينتظرون خلاص الله، و”الإخوة الصغار” الذين يعانون من الجوع والعطش والعري والغربة والمرض والأسر (متى 25: 31-46)، وهم المظلومون والمستضعفون والمنتهكة حقوقهم.

الثاني: تحرير المأسورين، وهم المستعبدون لمصالحهم الرخيصة ونزواتهم وانحرافاتهم، والمكبلون بسلاسل الإنشغال الحصري بشؤون الدنيا، ومهملون لعالم الله والروح، وهم الخاضعون لإديولوجيات فكرية وعبوديات سياسية.

الثالث: إعلان إعادة البصر للعميان، وهم المصابون بعمى القلب والعقل والضمير، ولا يميزون بين الخير والشر، وبين العدالة والظلم، وقد فقدوا القاعدة الأخلاقية.

الرابع: شفاء منكسري القلوب، وهم الحزانى والمهمشون والمجروحون في كرامتهمـ وهم التائبون الذين يبتغون الغفران والمصالحة.

الخامس: إعلان زمن مرضي لله، وهو الزمن المسيحاني، زمن المحبة والرحمة، زمن السلام والعدالة، زمن الأخوة والعيش معا”.

أضاف الراعي: “إلى هذا الزمن المسيحاني ننتمي نحن المسيحيين، رسالتنا أن نعطر الزمن التاريخي الذي نعيش فيه بالقيم المسيحية، من خلال نشاطاتنا الزمنية على كل مستوياتها التربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية. ولقد رسم لنا خريطة الطريق المجمع البطريركي الماروني الذي انعقد ما بين سنة 2003 و2006. لا يستطيع المسيحيون التخلي عن هذه الرسالة التي قبلوها بالمعمودية والميرون، ويغذونها بكلام الإنجيل وتعليم الكنيسة. ويستمدون القوة للقيام بها من سر القربان. كما أنهم لا يستطيعون إهمالها، فإن فعلوا تعثر الوطن. في هذه الكاتدرائية، كما في سواها من الكنائس، تقبل الآباء والأجداد هذه الرسالة، وتعمقوا فيها، فصمدوا عبر المحن والمصاعب، وانتشروا في كل أرجاء لبنان من اقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وأسسوا دولة نفاخر بها. وها نحن على مسافة سنتين من الاحتفال بمئوية إعلان دولة لبنان الكبير”.

وتابع: “السياسة عندنا في حاجة إلى القيم الروحية والأخلاقية، لكي تستقيم ممارستها، ويهتدي لبنان إلى طريق الخروج من أزمته السياسية التي تتسبب بأزمة اقتصادية خانقة، وبأزمة اجتماعية لا تطاق. فالقيم الروحية والأخلاقية تزين المسؤول السياسي بالتجرد والتفاني والتضحية والسخاء في العطاء في سبيل الخير العام، كما تزينه بأخلاقية التخاطب من دون إساءة. في أزمة هذه القيم، يكمن تعثر تأليف الحكومة الجديدة، إضافة إلى أن طريق تأليفها المعتمد في السنوات الخيرة يناقض المعايير الدستورية العامة وروحية الدستور ونصه، وتجذر ديكتاتورية أقطاب سياسيين، وانتهاج الإستئثار والإقصاء، كما يشرح أخصائيو القانون الدستوري”.

وختم: “وإذ نحن في احتفال تدشين كاتدرائية مار جرجس بحلتها الجديدة الجميلة، نصلي إلى الله، بشفاعة مار جرجس، كي يمنحنا نعمة التجدد بروحه القدوس، والخروج من عتيقنا ورتابة حياتنا. وليرتفع من “بيت الله” هذا، ومن قلوبنا نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.