يتجاوز مأزق تشكيل الحكومة اللبنانية، حدوده المحلية الداخلية، ليتحول إلى واحد من المؤشرات الإقليمية المهمة واستحقاق يرتبط بمستقبل التسوية في سوريا كما بمستقبل الصراع المتعلق بإيران. ولا يعني البعد الإقليمي الدولي لتشكيل الحكومة اللبنانية أن العوائق خارجية بل يقصد به الفرقاء المحليين الذين يراهنون في توقيت حساس جدا على أي متغيرات متوقعة أو مأمولة في المنطقة في المستقبل القريب.
ويرى مصدر برلماني لبناني أن العقد المسيحية والدرزية والسنية التي تقف حائلا دون التوصل إلى نقطة توازن ترضي الجميع تستند على حقيقة أن كافة الأطراف تشعر منذ الانتخابات البرلمانية أن وضعها الداخلي وامتداداته الخارجية قويا لدرجة الاستمرار في التشدد في مطالبها بالنسبة لهذا الطرف كما التشدد في رفضها من قبل الطرف الآخر.
ويضيف المصدر أن موقف سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية المطالب بأربع وزارات منها حقيبة سيادية وموقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المطالب بتسميته حصة الدروز المؤلفة من ثلاث وزارات، يستند على معطيات دقيقة، لا سيما خارجية، للمضي قدما في مواجهة العهد الذي يبدو أن لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الكلمة العليا في تقرير توجهاته.
ويكشف عدم حصول أي حلحلة للعقدتين المسيحية والدرزية على الرغم من لقاء جعجع وجنبلاط بشكل منفصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون أن مفتاح أي مخرج هو في يد صهر الرئيس، جبران باسيل، وأن مستقبل أي تسوية حكومية وفق ذلك رهن ما يتوافق مع استراتيجيات الأخير المرتبطة بطموحاته الرئاسية بعد أربع سنوات.
ويجمع المراقبون أن كافة الفرقاء يتصرفون على أساس أن الحكومة المقبلة ستستمر أربع سنوات هي عمر المجلس النيابي الحالي وأنها ستواكب التطورات التي ستجري في كل المنطقة. وعليه فإن الجميع حريص على تموضع متين داخل الحكومة العتيدة.
وتدعو بعض المصادر السياسية إلى مراقبة موقف حزب الله، الذي على الرغم من دعوته للتعجيل في تشكيل الحكومة ومصلحته في الاحتماء بسقف الشرعية الحكومية في مواجهة الضغوط الدولية ضده، فإنه غير قادر على تفتيت عقد التأليف لحرصه على تحصين علاقته بعون وباسيل من جهة ولتعويله على نجاح باسيل في فرض أغلبية داخل الحكومة تتوافق مع توجهات الحزب الداخلية والخارجية المقبلة.
جبران باسيل يريد أن يكون الوزير الأول المتصرف بالشأن اللبناني بوجود رئيس حكومة سني، وهذا السلوك يفتح المجال لاحتمالات كثيرة
ويهتم حزب الله بالانخراط في العمل السياسي ضمن سقف الحكومة المقبلة بوتيرة متصاعدة عن اهتماماته سابقا، لتحقيق وجود أقوى داخل مؤسسات الدولة كفيلة بتحصينه من الضغوط الدولية والإقليمية بعد سلسلة عقوبات غربية بحق بعض قياداته ومنظمات تابعة له.
واستدعت نتائج الانتخابات وتقدم حزب الله تصريحات أدلى بها قائد فيلق القدس الإيراني، اللواء قاسم سليماني، قال فيها إن الحزب حصل لأول مرة على 74 مقعدا من أصل 128 مقعدا في مجلس النواب اللبناني، معتبرا ذلك “نصرا كبيرا”.
ويحذر سياسيون مخضرمون من مغبة اللعب بالتوازنات والأعراف التي أرساها اتفاق الطائف منذ عام 1989. ويقول هؤلاء إن محاولة عون وباسيل العودة بصلاحيات رئيس الجمهورية ولو بطرق ملتوية إلى ما قبل “الطائف” ستعيد الصراع الداخلي إلى مربع الحرب الأهلية التي أنهاها هذا الاتفاق.
وفرض حصة وزارية لبعبدا ليست من صلب دستور الطائف وهي عرف يجري استغلاله لتكبير حصة فريق الرئيس على نحو لا يقبل لدى بقية الطوائف ولن يسمحوا بتمريره، والتلميح بإمكانية “الاستغناء عن خدمات” الرئيس المكلف سعد الحريري هو لعب بنار لا يحتملها البلد.
وتستنج بعض الآراء أن جبران باسيل يريد أن يكون الوزير الأول المتصرف بالشأن اللبناني بوجود رئيس حكومة سني، وأن هذا السلوك يفتح المجال لاحتمالات كثيرة، إما استمرار الحريري كحكومة تصريف أعمال وإما الاستغراق في جدل التكليف ومدته والدخول في أزمة دستورية.
ويلفت المراقبون إلى موقف رؤساء الحكومات السابقين، فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي الذين أكدوا في اجتماع لهم مع سعد الحريري على تمسكهم بالحريري ورفضهم ابتكار فذلكات دستورية لنزع التكليف النيابي منه.
كما شكل موقف دار الفتوى التي تمثل السقف الديني للسنة في لبنان الداعم للحريري إشارة واضحة ضد بعبدا وحلفائها في هذا الصدد.
تحاول أطراف سياسية، مثل حزب الله، إيجاد المزيد من العقبات أمام رئيس الوزراء المكلف، للضغط باتجاه توزير شخصية أو أكثر من بين شخصيات سنية فازت في الانتخابات، وترتبط مع الحزب بعلاقات وثيقة.
لكن الحريري يرفض تسمية أي منهم لحقيبة وزارية في حكومته المقبلة. ويرى المراقبون أن موقف جنبلاط وجعجع يعكس حرصا على التمسك بالطائف ووقف أي طموحات للعب بقواعد العملية السياسية في لبنان.
ويذهب رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو القطب الآخر للثنائية الشيعية التي تجمعه مع حزب الله مذهب المدافعين عن الطائف وروحيته وأعرافه.
ويخلص المراقبون إلى أن سفر الحريري وبري وباسيل إلى خارج البلاد هذه الأيام يفرض جوّا غير مستعجل على تأليف الحكومة وأن عودتهم في الأسبوع المقبل ستعيد تحريك الجدل حول أمر تشكيلها، وهو أمر لا يبدو أن لقاءات عون مع عدد من قيادات البلد في بعبدا غيّرت شيئا في صددها، ما دفع البعض من المعلقين إلى التقليل من شأن هذه اللقاءات واعتبارها خارج أيّ سياق جدّي فاعل.