خبر

مطرانية الروم الأرثوذكس: كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت ليست معلمًا سياحيًا وكفى معاناة

نشرت مطرانية الروم الأرثوذكس في بيروت البيان الآتي:

“بعد المعاناة الطويلة في الحرب اللبنانية، التي أدت إلى تضرر كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، وبعدما ابتهجنا بقيامتها من بين الركام والحطام، عادت معاناة الكاتدرائية.

بدأت المعاناة الجديدة مع انطلاقة ماراثون بيروت، الذي يقام يوم الأحد، والذي يجبر غالبية كنائس وسط بيروت على الإقفال في يوم الرب، اليوم الذي أوصانا ربنا بأن نحفظه. وإن لم يكن الماراثون سبب الإقفال يكون سباق الدراجات أو ما شابه.
تابعت معاناتها مع انطلاقة التظاهرات وإقفال وسط بيروت والتضييق على المؤمنين من جهة الوصول إلى الكاتدرائية، وحتى الاضطرار على إقفالها، خصوصا مع انعقاد جلسات مجلس النواب.

منذ مدة، أعيد افتتاح وسط بيروت أمام الناس، إنما لإعادة الحياة إليه لا تسهيلا لوصول المؤمنين إلى الكنيسة، وقد لجأ مفتتحوه إلى إقامة المهرجانات الدائمة في ساحة النجمة، الأمر الذي يؤدي، مجددا، ومنذ لحظة إعادة الافتتاح، إلى أضرار مادية ومعنوية تلحق بالكاتدرائية. فبسبب الموسيقى الصاخبة، سقطت قطع أثرية ثمينة في متحف الكاتدرائية وتحطمت. وبسبب الموسيقى نفسها، سقطت أيقونات داخل الكنيسة وتأذت. ولإعادة إحياء المطاعم، عمد إلى توسيع مداها ليصير أمام مدخل الكاتدرائية. في شهر رمضان المبارك، أقيم برنامج يومي في الساحة، وضعت خلاله حواجز حديدية حول درج الكاتدرائية منعت المؤمنين من الوصول إليها، حتى وهي مقفلة، إذ كثيرون يحبون أن يقفوا أمام بابها المـغلق ويناجوا الرب. حتى اليوم، تقام المهرجانات المؤدية إلى إقفال طريق الوصول إلى الكاتدرائية، ومع أننا راجعنا المختصين، إلا أن الاهتمام ببيوت الطعام وساحات اللهو بدا أهم من الاهتمام ببيت الرب وأبنائه.

هل أصبحت الساحة، التي تضم مركز التشريع حاليا، والتي كانت تضم مدرسة التشريع قديما، أي أهم مدرسة للحقوق التي اشتهرت بيروت بوجودها وتغنت، والتي تخرج فيها قديسون تعيد لهم كنيستنا المقدسة، ساحة لهو ومهرجانات فقط؟ هل أصبحت بيوت الله آخر هم، هذه البيوت التي كان يزورها طلاب مدرسة الحقوق قبل الدخول إلى صفوفهم؟

الكاتدرائية ليست معلما سياحيا، وليست مستجدة في الساحة. هي متجذرة هناك منذ مئات السنين، والتاريخ المدني والكنسي والوجدان البيروتي تشهد لها. ولا يخفى أن بعض المؤرخين يعيدون وجودها إلى القرن الثاني حين شيد أول بناء تحت الكنيسة الحالية المبنية على أنقاض ثلالث كنائس. هل أصبح مركز حياتنا الاهتمام باللهو وجذب الأموال ونسينا الرب والمؤمنين الذين يلتجئون إلى حماه؟

كفانا استهتارا بالكنائس، وبيوم الأحد، يوم الرب. كفانا إهانة للمقدسات بهذا الشكل. كفانا استخفافا بالإنسان وثقافته. إرجعوا إلى الله لكي يزدهر عملكم، لأنكم من دونه لا تستطيعون شيئا. تذكروا أن القديسين يتشفعون بنا، ووجود الرب في حياتنا يقدسها، وقد قال الرب يسوع، إنه عند مجيئه الثاني قد لا يجد حفنة من المؤمنين به. وإن وجدت هذه الحفنة ستكون سبب خلاص العالم.

عالمنا يهتم بكل شيء أرضي دنيوي، وينسى أن يكتنز كنوزا في السماء لا تفنى. إنسان اليوم يقدم اللهو على الإيمان، والسهر على الصلاة، وإشباع الرغبات على تهذيب العقل وصونه من الشوائب، كذلك يفضل إيجاد مكانٍ يركن إليه سيارته على أن يصبح المكان مدرسة أو جامعة تعنى بإنشاء أبنائه وتربيتهم وتعليمهم. أما الكنيسة فسوف تبقى كصوت صارخ في البرية أن خلاص النفس يتقدم على كل ما عداه. أما تهذيب العقل وبناء الشخصية وصقل النفس الإنسانية فسوف تبقى من أولى اهتمامات الكنيسة ولو تذمر المتذمرون. أملنا أن يثور أبناؤنا عند المس بالكنائس والمقدسات بدلا من أن يثوروا إذا أريد تحويل موقف سيارات إلى جامعة وصرحٍ للثقافة والعلم والمعرفة. هل أصبحت السيارة وركن السيارة أهم من العلم والثقافة؟ هل بناء الوطن والإنسان قائم على السيارات أم على تهذيب العقل والنفس؟”.