غادة حلاوي – الاخبار
بلغت الأوضاع الأمنية في البقاع الشمالي حداً بات لا يمكن السكوت عنه. المراجع السياسية رفعت الغطاء السياسي عن المخلين بالأمن، فمن الذي أو ماذا يمنع قيام الأجهزة الأمنية بواجباتها؟ سؤال تحوّل إلى لغز. النائب اللواء جميل السيد يتهم الأجهزة العسكرية والأمنية «بالتآمر على بعلبك وأهلها والمقاومة»، فيما ينبّه حزب الله بلسان النائب إيهاب حمادة من أن «أمن بعلبك من أمن بيروت والقصر الجمهوري ووزارة الدفاع».
برغم الصوت السياسي العالي، لا يتوقف مسلسل الموت المتنقل في البقاع الشمالي، ولا يتوقف معه عدّاد القتلى والجرحى. أمس، تجددت الاشتباكات بين آل جعفر وآل الجمل، ما أدى إلى سقوط قتيل جديد. حصلت الاشتباكات بين عائلتين لبنانيتين داخل الحدود السورية.
وفق رواية «الوكالة الوطنية للإعلام»، «بدأت الاشتباكات بعد ظهر أمس، إثر إطلاق نار من مسلحين عند أطراف بلدة حاويك باتجاه موكب من عدة سيارات يقل نوح زعيتر وأشخاصاً من آل جعفر، حيث جرى تبادل لإطلاق النار من أسلحة حربية أصيبت خلالها سيارات الموكب إصابات مباشرة، ما أدى إلى تحطم زجاج وانحراف عدد من السيارات إلى جانب الطريق وإصابة شخص بجراح. على الأثر، قام عشرات المسلحين من آل جعفر من المناطق الحدودية المجاورة بسلوك طرق جبلية خارج نطاق الانتشار العسكري للجيشين اللبناني والسوري وهاجموا بلدة العصفورية بالأسلحة المتوسطة التي يسكنها آل الجمل، وهي عائلة لبنانية وعلى خلافات ثأرية مع آل جعفر».
وفيما تكثفت الاتصالات لسحب مسلحي العائلتين، كانت لافتة للانتباه رواية زعيتر عبر تسجيلات صوتية بقوله إن موكبه تعرّض لإطلاق نار عند الحدود، فردّ الموكب على مصدر إطلاق النار من دون معرفة هويّة المسلحين، ليؤكد لاحقاً له آل جعفر أن الذين أطلقوا النار من آل الجمل. وأضاف: «الإصابات خفيفة بين الشبان الذين كانوا معي في الموكب، ولا إصابات خطيرة»، قبل أن يسخر من آل الجمل قائلاً: «باتوا عناتر يهاجموننا في وسط دارنا»!
أمس أيضاً، أقدم مجهولون في بعلبك على تخريب ضريح أول شهيد قضى في معركة جرود عرسال بمواجهة إرهابيي جبهة النصرة، هو ياسر أيمن شمص، الذي قضى في 21 تموز الماضي، خلال اقتحام موقع كسارة المنشار. السبب هو انتقاد والد الشهيد الوضع الأمني في المنطقة (عبر مواقع التواصل الاجتماعي)، فيما أدى خلاف وقع أول من أمس على أفضلية مرور في بعلبك إلى وقوع جريح من دون أن تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً.
ليل أول من أمس، تمكن أحد حواجز الجيش اللبناني على طريق راس بعلبك ــــ الهرمل في محلة المحطة، من توقيف المواطن (ع.ج) الذي كان قد طلب فدية مالية من أهل فتاة من النبطية كانت برفقته مقابل الإفراج عنها، فيما أقدم المواطن (ع.م.) على إطلاق النار باتجاه الشاب (ح. ط)، أمام أحد متنزهات محلة رأس العين في بعلبك، فأصابه بطلق ناري في ساقه.
إزاء هذه المشاهد الأمنية في أقل من 48 ساعة، وقبلها تراكم عمره أشهر، لا بل سنوات، قرر النائب اللواء جميل السيد فضح المستور. اتهم في مؤتمر صحافي عقده، أمس، في «الكورال بيتش» في بيروت، الأجهزة العسكرية والأمنية «بالتآمر على بعلبك وأهلها والمقاومة».
ليس من ضمن «أدبيات» المدير العام السابق للأمن العام مهاجمة المؤسسة العسكرية التي ينتمي اليها، ولطالما احتل الصفوف الأمامية دفاعاً عنها «وإن ارتكبت أخطاء غير مقصودة»، لكن هجومه عليها أمس، له ما يبرره، وهو الوضع الأمني لمنطقة بعلبك الهرمل «التي تعاني بعد إزالة الإرهاب من جرودها من فلتان أمني وإرهاب داخلي» لم يعد ينفع السكوت عنه، مطالباً المسؤولين عن الأمن «بتوقيف مرتكبي الحوادث اليومية واتخاذ خطوات جدية لمعالجة الوضع»، قائلاً: «ليس المطلوب من الدولة إلا مسألة واحدة، هي وضع حد للفلتان وتوقيف المرتكبين»، معتبراً أن «الأمن يتطلب متابعة طوال النهار، وجهداً وعملاً متواصلين لتنجح الأجهزة في الحفاظ على أمن الناس».
وكشف السيد عن زيارة قام بها لقائد الجيش قبل الانتخابات، ووضعه خلالها في حقيقة ما يجري لناحية تقصير الجيش ومخابراته، متوجهاً إليه بالقول: «إن ضباط الأجهزة بتصرفك، والأمر لا يتطلب مداهمات عشوائية وتوترات، بل مطاردة المطلوبين، ولديكم الإمكانات لتقوموا بذلك»، فوعده العماد عون خيراً، منتقداً كلامه لوفد نواب تكتل بعلبك الهرمل عن ثقافة الثأر لدى العشائر، وكذلك طلبه منهم الحصول على أسماء المتورطين كي يقطع رؤوسهم، وتساءل السيد: «هل نحن من يجب أن يزوده بالأسماء». وأضاف: «ثقافة الثأر ليست ثقافة المنطقة، بل هي ثقافة الزعران المرتبطين بضباطكم»، وتوجه إلى مدير المخابرات في الجيش اللبناني، قائلاً: «منجبلك شعب من سويسرا ليصير في أمن ببعلبك؟».
واستغرب كيف تفاقم التوتر الأمني بعد الانتخابات النيابية مباشرة «أحد ما كبس على الزر بعد انتهاء الانتخابات وتضاعفت الزعرنات على الأرض، وضباط الأمن بمختلف مواقعهم هم من يحمون الزعران، على رغم رفع المسؤولين الغطاء عنهم»، ورأى أن «الحل يكمن في إنشاء غرفة عمليات في المنطقة تلاحق الحوادث الأمنية، لأن المنطقة أمنية، أي إن كل الأجهزة موجودة تحت إمرة قائد الجيش».
وأشار إلى أن أحد ضباط المخابرات السابقين في البقاع «كان يوقف مطلوبين ويخلي سبيلهم مقابل مبالغ مالية»، وقال: «لاحقاً، فضح هذا الأمر، ولكن للأسف، بدل معاقبته نُقِل ليصبح ملحقاً عسكرياً في روسيا. لقد قطعنا مرحلة التقصير الأمني إلى مرحلة التآمر، لأن هناك تآمراً على أهل المنطقة والمقاومة لترسل رسالة إلى الخارج بأن بيئة المقاومة هي من الزعران، وهذا عكس الحقيقة، فالعشائر وعائلات بعلبك الهرمل تتميز بالنخوة، والتآمر عليها واقع حتى ثبوت العكس».
وحمّل السيد «مسؤولية أي نقطة دم تسقط بين أهالي اليمونة والعاقورة لقائد الجيش العماد جوزيف عون، لأن الجيش انسحب من المنطقة ولم يعد تموضعه بالشكل الصحيح»، وقال: «نحن بغنىً عن مشكل جديد في المنطقة، ويكفينا سقوط 23 قتيلاً في إشكالات في تلك المنطقة في الماضي».
وإذا ان حزب الله متهماً في الآونة الأخيرة بارتداء قفازات سياسية في مقاربته لملف البقاع الشمالي، فإن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إيهاب حمادة، عبّر صراحة عن امتعاض الحزب من الإهمال والتقصير الحاصلين، متسائلاً في تعليقه على الاشتباكات المتجددة بين عائلتين لبنانيتين عند الحدود اللبنانية السورية: «من أمّن الهرب للمطلوب نوح زعيتر، وكيف له أن يعبر الحواجز الأمنية ليتمكن من العبور إلى الداخل السوري؟ وكيف لسيارة أن تهرب من الجنوب باتجاه سوريا؟»، معتبراً أن أبرز مقومات الدولة أن تكون قادرة على ضبط الوضع الأمني.
وقال لـ«الأخبار»: «وصلنا إلى الحائط المسدود بسبب غياب الدولة المتعمد عن المنطقة، وإلا فكيف للقوى الأمنية أن تحضر بسرعة البرق إلى الجرد لتوقيف من يبني حائطاً وتعجز عن حفظ الأمن وتوقيف المطلوبين؟». وقال حمادة: «الجيش بالنسبة إلينا خط أحمر، ونشكل معه ومع الناس معادلة ثلاثية ذهبية، ولكن عليه أن يتحمل مسؤولية. والغطاء السياسي موجود، وقد سبق ولمسنا اهتماماً من الرؤساء الثلاثة، وسمعنا حديث الرئيس نبيه بري العالي اللهجة والذي نستنبط منه نوعاً من الإشارات عن الجهة المسؤولة»، محذراً من أن يكون المقصود مما يحصل «التآمر على المنطقة والمقاومة، وإلا فسيكون لنا موقف آخر ضمن الآليات القانونية وعلى مستوى الناس»، متوجهاً إلى المسؤولين بالقول: «احذروا الناس، ولن نستطيع ضبطهم بعد اليوم. هؤلاء مواطنون وليسوا ضيوفاً حتى يعانوا هذا الإهمال».
وعن مقاطعته لزيارة قائد الجيش ضمن تكتل النواب، قال: «إذا كان (الأمر) مجرد تنظير، فلن نقف مكتوفي الأيدي نحصي عدد القتلى على الطرقات، ولن نرضى ببقاء الوضع على ما هو عليه»، وتابع: «الناس لن تضبط نفسها، وحذارِ اللعب بالنار مع نصف المجتمع اللبناني، ونحذر من حراك له علاقة بالناس. لسنا جزيرة معزولة، وأمن المنطقة من أمن لبنان، وأمننا من أمن بيروت والقصر الجمهوري ووزارة الدفاع».
بري: القصة قصة هيبة
أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن أمن البقاع أمن لبناني، ورأى أن التنمية والاستثمار «كما الأمن والأمان يتلازمان»، وقال في تصريح له أمس: «كانت دائماً صفة البقاع الذي اشتهر بها: الثائر على الاستعمار والانتداب الذي يلتحق بالجبال والمناطق الوعرة التي شكلت قواعد ارتكازه، وهو الذي توأم الجنوب في مقاومته ومنع الفتنة إزاء الإرهاب على تخومه، غير أن محاولات مستمرة منذ سنوات لتشويه صورته وإظهاره بمظهر الخارج عن القانون. ولبنان كل لبنان يكتفى بالتفرج، فما المقصود؟ أأنفار من عشائر ليسوا بالعشائر، بل هم أولاً وآخراً ضد عشائرهم… وليس مقنعاً أن أجهزة الأمن والجيش والدولة لا تستطيع القبض عليهم وتخليصهم من أنفسهم وتخليص البقاع والوطن منهم. القصة قصة هيبة، والحق الحق لا هيبة للدولة. فتأهبوا وهبّوا، أمن البقاع أمن لبناني، والتنمية والاستثمار كما الأمن والأمان يتلازمان»، وختم بالقول إنه يشدّ على يد رئيس الجمهورية «بالقول إن أهلنا في البقاع محتاجون لدولة يحملون هويتها فقط دون غُنم منذ أن كان لبنان».