صحيفة الأخبار
لفيف من مرتزقة متعددي الجنسيات، ومعهم مقاتلون محليون، ومن خلفهم القيادتان الإماراتية والسعودية، وفي صفهم داعم أميركي، وثانٍ فرنسي، وآخرون ستكشف الأيام هوياتهم… كلهم عجزوا عن انتزاع السيطرة على مطار مكشوف. عجز ليس إلا جزءاً من مسار ميداني لا يفتأ يسير لمصلحة سلطات صنعاء، بحسب ما يؤكد مصدر مطّلع لـ«الأخبار»، كاشفاً أن «الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت»، ومُتحدثاً عن حالة تململ في صفوف مقاتلي «التحالف»، ومطالبات بفتح ممرات آمنة لخروجهم. إزاء ذلك، يبدو الحديث عن تسليم مدينة الحديدة أشبه بتمنيات أكدت «أنصار الله» للمبعوث الأممي أن لا مجال لتحققها، في «أجواء عمل غير إيجابية» ـــ بتعبير المصدر ـــ يشيعها مارتن غريفيث، وسيتولى الرئيس مهدي المشاط إيضاح تفاصيلها.
مجدّداً، أخطأت الحسابات الإماراتية والسعودية بشأن اليمن. كان في ظنّ الدولة الوليدة ومعها المملكة العاجزة، ومن ورائهما الغازي الأصيل متمثلاً بالولايات المتحدة الأميركية، أن التجييش السياسي والإعلامي والميداني يمكن أن يحمل أهل تهامة على الاستسلام بسهولة، وترك مدينتهم «عروس البحر الأحمر» لقمة سائغة للمحتلّين، لكنها اليمن التي غنّى الأتراك يوماً ما هزيمتهم على ترابها بالقول: «آهٍ من هذه اليمن». تجنّدت كل أذرع الإمبراطورية الإعلامية التابعة للرياض وأبو ظبي، أول من أمس، لتصوير الحديدة مدينة ساقطةً، وتخويف اليمنيين مما ينتظرهم في مقبل الأيام، ودفع المبعوث الأممي الجديد ـــ الذي اتهمته «أنصار الله» بالعودة إلى سيرة سلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد ـــ إلى تصعيد الضغوط على سلطات صنعاء تحت طائلة تحويل المدينة إلى «أرض محروقة». إلا أن ذلك التهويل سرعان ما انجلى عن استبسال في القتال على مقلب الجيش واللجان، حال دون سقوط مطار الحديدة تحت سيطرة الميليشيات الموالية لـ«التحالف»، وحوّل الشريط الساحلي الذي سلكته تلك الميليشيات منذ مطلع شهر أيار/ مايو الماضي إلى شباك صيد حوصرت داخلها كتيبة بكامل أفرادها، وتقطّعت بفعلها خطوط إمداد المقاتلين المدعومين إماراتياً من منطقتَي المخا والخوخة، وهو ما اعترف به أمس مصدر في القوات الموالية للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي لوكالة «فرانس برس»، مُقِرّاً بأن «هذا الأمر أثّر على العملية العسكرية».
في تفاصيل المشهد الميداني الذي آلت إليه مواجهات الساعات الماضية، يمكن إيراد الحقائق الآتية: أفهمت «أنصار الله» المهاجِمين وقيادتهم بأن محاولاتهم إسقاط مدينة الحديدة ستُكبّدهم خسائر بشرية ومادية فادحة قد لا يستطيعون احتمالها، وخصوصاً إذا ما طال أمد المعركة. رسالة تجلّت بوضوح في تمكّن الجيش واللجان من محاصرة كتيبة كاملة مما تسمّى «ألوية العمالقة» ـــ التي تضمّ سلفيين من أبناء جنوب اليمن ـــ عند أطراف الحديدة (المدينة)، بعدما استطاعا قطع التواصل بينها وبين القوات التي تتبع لها، وكذلك في قتلهما العشرات من منتسبي تلك الألوية في محيط مطار الحديدة؛ من بينهم المدعو عبد القوي اليافعي (قائد كتيبة مدفعية). هذه الفاتورة انسحبت، بصورة أكبر، على الجبهات الممتدة على طول الخط الساحلي، والتي نجحت «أنصار الله» في إشغال المهاجِمين بها، مُكبِّدةً إياهم خسائر بشرية ومادية، كان آخرها أمس مقتل أركان حرب «اللواء الثاني ـــ تهامة» حسين بو حمي مع عدد من مرافقيه في منطقة الفازة بمديرية التحيتا، وقبلهم الرائد مجاهد غشيش قائد إحدى كتائب «حراس الجمهورية» التابعة لنجل شقيق الرئيس السابق طارق محمد عبد الله صالح و19 مقاتِلاً من أفراد كتيبته في مفرق الجاح الأعلى، فضلاً عن «تدمير عدد كبير من الآليات ومصرع طواقمها، بينها 13 مدرعة وآلية في معارك الفازة» وحدها، بحسب ما أفادت به أمس وكالة «سبأ» الرسمية التابعة لسلطات صنعاء. بفعل تلك الوقائع، فقدت الميليشيات الموالية لـ«التحالف» سيطرتها على خطوط إمدادها القادمة من الخوخة جنوبي الحديدة ومن المخا غربي تعز لمصلحة الجيش واللجان، اللذين أكّدت وكالة «سبأ» أمس أنهما لا يزالان يتحكمان بالخطوط المشار إليها في ثلاث نقاط رئيسة، هي: الفازة، الجاح ومجيليس، مُتحدِّثة عن عمليات «إجلاء لجثث العشرات من القتلى ومئات الجرحى عبر البحر».
انقطاع تعزيزات القوات المدعومة إماراتياً من جنوب الطريق الساحلي إلى شماله، وتقهقرها عند أعتاب مطار الحديدة، حملا قيادة «التحالف» على خفض سقف خطابها، واللجوء إلى حيل تبريرية من قبيل الحديث عن محاصرة المطار ضمن خطة لتجاوزه من دون قتال، توازياً مع تنفيذ مقاتلاتها مساء السبت غارات على منشآته لمضاعفة الضغط العسكري على «أنصار الله». لكن، حتى لو استطاعت ميليشيات الرياض وأبو ظبي انتزاع السيطرة على مطار الحديدة، فإن ذلك لا يُعدّ «حسماً للمعركة»، بحسب ما يؤكد عضو المكتب السياسي في «أنصار الله»، ضيف الله الشامي، مُنبهاً إلى أن «مطار الحديدة ليس مطار بغداد»، ومشدداً على أن «العبرة بالخواتم». والجدير ذكره أن هذا المطار الذي تدور حوله المواجهات اليوم لا يُعتبر من المنظور العسكري ذا قيمة استراتيجية، كونه واقعاً في مساحة مكشوفة يُفترض أن تكون لسلاح الطيران فاعليته فيها، إلا أن أهميته تكمن في أن السيطرة عليه (وهو الواقع على بعد عشرة كيلومترات من ميناء الحديدة) تفتح الطريق نحو منطقة كيلو 16 التي تُعدّ حيوية بالنسبة إلى قوات الجيش واللجان، بالنظر إلى أن خطّ إمدادها القادم من صنعاء يمرّ عبرها. من غير المضير هنا افتراض تمكن الميليشيات التابعة لـ«التحالف» من الوصول إلى هذه المنطقة، ومنها إلى ميناء الحديدة، هل يعني الأمر أن المعركة حُسمت؟ حتماً لا؛ ستكون المدينة عُرضة لحرب شوارع أشد ضراوة مما شهدته مدينتا عدن وتعز، ولن يكون للرياض وأبو ظبي مستقرٌ فيها، وفيما لو تمكنتا من حمل الجيش واللجان على الانسحاب منها، فستكون أمامهما مساحات جبلية شاسعة ممتدة على آلاف الكيلومترات لتحقيق حلم الوصول إلى صنعاء (تجلّي هذه الحقيقة خَطَل النظريات المتهافتة عن كون الحديدة طريقاً إلى صنعاء)، وهنا ستكون اليد الطولى والكلمة العليا حتماً لمصلحة أصحاب الأرض. بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن الإمارات والسعودية تتطلعان، من وراء محاولاتهما السيطرة على الميناء، إلى تصعيد حرب التجويع على اليمنيين، ظناً منهما أن تشديد الخناق عليهم سيحمل سلطات صنعاء على رفع الراية البيضاء.
هذا ما أكده، أمس، القيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي، قائلاً في تصريحات صحافية إن الهدف من التصعيد الأخير «إحكام الحصار على الشعب اليمني لزيادة معاناته». وأشار إلى أن المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي التقى أمس وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ هشام شرف ونائبه حسين العزي، «لم يأت بجديد عدا استكمال مناقشة ما طرح في زيارته السابقة في إطار الحل الشامل»، مضيفاً أن غريفيث «لم يطلب منا تسليم الميناء ولا مدينة الحديدة»، إنما «الحديث يدور حول الرقابة». ووصف «المطالبة بتسليم الحديدة أو مينائها» بأنها «أمر غير واقعي لأنه لم يسبق لأي دولة أن سلمت جزءاً من أرضها طوعاً للغزاة»، متابعاً أن «هذا يعني منح الغزاة سلمياً ما عجزوا عن تحقيقه عسكرياً وسيطالبون بالمزيد». موقف من شأنه تخييب آمال قيادة «التحالف» التي كانت تراهن على نجاح المبعوث الأممي في «تسهيل تسليم الحديدة للحكومة الشرعية»، و«إقناع الحوثيين بإلقاء أسلحتهم والدخول في حوار سياسي» على حد تعبير وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش، الذي ترافقت تغريداته مع شطحات إعلامية بلغت حدّ الحديث عن خلافات داخل «أنصار الله» بشأن كيفية التعامل مع مقترحات غريفيث. وكان الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، قد نفى صحة «أي حديث يُطرح في وسائل الإعلام عن مطالبات أو ضغوط»، متهماً في الوقت نفسه المبعوث الأممي بأنه «لم يعمل شيئاً حتى الآن، وهو يمثل غطاءً لاستمرار العدوان»، مُنبِّهاً إياه إلى أنه «إذا أراد أن يذهب في مسار ولد الشيخ، فهو يحكم على دوره بالفشل المحتوم».
قوات فرنسية في قبضة صنعاء
أكد مصدر يمني مطّلع، لـ«الأخبار»، أن الزورق الغربي الذي أوقفته القوات اليمنية على السواحل المحاذية للحديدة لم يكن خالياً، بل كان على متنه عناصر أجانب، تم إيقافهم وهم الآن محتجزون لدى الجهات المختصة. وأوضح المصدر أن الزورق تابع للقوات الفرنسية، ومن كانوا على متنه فرنسيون أيضاً. وأشار إلى أن مهمة الزورق كانت «تجسسية»، وتكشف عن تورط القوات الفرنسية في إدارة الحرب على اليمن، ولا سيما في معارك الساحل الغربي. وتحفّظ المصدر عن الإجابة عن سؤال بشأن عدد الجنود الموقوفين، مكتفياً بتأكيد أسر من كان على متن الزورق. وكان رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد علي الحوثي، قد كشف عن إلقاء خفر السواحل اليمني القبض على زورق أجنبي في الحديدة، يحمل اسم «M/Y_jehol_ll». من جهةٍ اخرى، نفى المصدر صحة وقوع أسرى مصريين في يد الجيش واللجان.
تجدّد موجات النزوح
للمرة الأولى منذ فترة طويلة سيطر خلالها نوع من الـ«ستاتيكو» على معظم الجبهات في اليمن، سُجّلت خلال الأسبوعين الماضيين موجة نزوح كبيرة من محافظة الحديدة، بحسب ما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وقال المكتب، في بيان، إن «4458 أسرة نزحت من منازلها في ست مناطق مختلفة في محافظة الحديدة منذ بداية الشهر الجاري». وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت من أن تصاعد القتال في الحديدة سيؤثر في حياة مليون و600 ألف شخص، داعية «جميع أطراف النزاع إلى حماية الميناء والسماح لأدائه بالتواصل»، موضحة في بيان أنه «يتم جلب أكثر من 70 في المئة من جميع المواد الغذائية والأدوية الأساسية وإمدادات الرعاية الصحية من خلال هذا الميناء».