غادة حلاوي – الاخبار
يسير الرئيس المكلف سعد الحريري بين نقاط وفواصل المطالب المتشعبة للكتل والقوى السياسية. في باله، تجربة حكومية لا يمانع بإعادة استنساخها ومحاذرة في التعامل بواقعية مع نتائح انتخابات نيابية أفرزت وقائع جديدة، خصوصاً في البيت السني. في الوقت نفسه، المطلوب منه سعودياً أن يعطي القوات اللبنانية تمثيلاً وزارياً يتناسب ووزنها السياسي، وهو لا يستطيع أن يدير ظهره لمطالب التيار الوطني الحر والعهد. لذا، وبمعزل عن تصريحاته الإعلامية المتفائلة بقرب تشكيل الحكومة، لم يبادر الحريري، حتى الآن، إلى إجراء أية مشاورات جدية تتعلق بالملف الحكومي. التقى مستشاره السياسي الوزير غطاس خوري بوزير الإعلام ملحم رياشي مرتين، لكن البحث بينهما لم يصل إلى التفاصيل. لكن بعض «الكتل الأكثر تمثيلاً»، مثل اللقاء الديموقراطي وحزب الله وحركة أمل، لم تتلق، حتى الآن، أية اشارة تنبئ بالجلوس على طاولة البحث في تفاصيل الملف الوزاري ولا بقرب تشكيل الحكومة.
لم تُسأَل أي من هذه الجهات، عن الحقائب التي تقترحها ولا عن الأسماء التي تريد توزيرها. ما يعني أن كل التشكيلات والصيغ المتداولة غير دقيقة. ليست عقدة واحدة تلك التي تعترض تشكيل الحكومة، بل جملة عقد أصعبها عقدة القوات اللبنانية التي تطالب بحصة لا تقل عن حصة التيار، أي ست وزارات في الحكومة لكل منهما (ربطاً بتفاهم معراب)، الأمر الذي يعتبره التيار والعهد بمثابة إشهار حرب ضدهما.
في زيارته الأخيرة إلى السعودية، لم يقابل رئيس الحكومة المكلف لا الملك السعودي ولا ولي عهده محمد بن سلمان، غير أن ما تردد من معلومات عن اجتماعه برئيس الاستخبارات العامة السعودية خالد الحميدان، ظل محل أخذ ورد لكن سلوك الحريري بعد عودته، خصوصاً لجهة تبنيه مطالب القوات حكومياً، أعطى إشارة إلى أنه يتبنى الموقف السعودي الذي كان قد تبلغه رئيس القوات سمير جعجع بأن الحريري لن يبرم أي تفاهم مع ميشال عون أو جبران باسيل على حساب القوات اللبنانية.
وبينما يصر فريق في التيار الوطني الحر على رأسه باسيل، بأن كتلة القوات (15 نائباً) لا تستحق أكثر من ثلاثة مقاعد، أي نصف حصة كتلة لبنان القوي (30 مقعداً) التي يفترض أن تنال ستة مقاعد وزارية، لكن الحريري يصر على أربعة مقاعد بالحد الأدنى للقوات وبينهم بطبيعة الحال موقع نائب رئيس الحكومة.
وعندما ذهب ممثل القوات للتباحث مع رئيس الجمهورية بحصة معراب، جاءه الجواب: «موقع نائب رئيس الحكومة سيكون من حصة العهد. اذهبوا إلى سعد الحريري واتفقوا معه على البقية». في المقابل، يردد رئيس الحكومة المكلف أن مشكلة القوات «حلها بالدرجة الأولى بين التيار والقوات وحين يتفقان على صيغة ما، يبدأ الحديث الجدي بتشكيل الحكومة». التفسير السياسي هو الآتي: يتجنب الحريري مواجهة السعودية في ما يتعلق بحصة القوات، ويريد أن يتسلح بالرفض المسيحي وتحديداً العوني ذريعةً لانتفاء مسؤوليته، وحتى يلقي بالحجة على الآخرين.
تكفي الحريري رسالة استقبال السعوديين للنائب السابق وليد جنبلاط وتحديداً اللقاء بينه وبين ولي العهد. صارت للرياض حساباتها و«أحصنتها الرابحة». جعجع بالنسبة إلى السعودية «رجل ثقة صادق وثابت على مواقفه». في المقابل، يتصرف رئيس الجمهورية على قاعدة أن السعودية تعمل ضد العهد وأنها تقدم لرئيس القوات دعماً معنوياً وسياسياً ومادياً، «وإذا تجاوب الحريري مع فكرة أوسع تمثيل للقوات، يعني رضوخه للقوات والسعوديين، وفي المقابل، سيكون ثمن الرفض تأخير تشكيل الحكومة، وهو بحد ذاته يشكل ضربة للعهد واستنزافاً له على عتبة دخول عامه الثالث.
النقطة الثانية التي تسعى إليها السعودية لتطويق العهد تتمثل بإعادة إحياء فريق الرابع عشر من آذار، على رغم قول جعجع في مجلس خاص إن 14 آذار ماتت في العام 2011 يوم غادر الحريري لبنان وفقدت هذه القوى عمودها الفقري القوي، وبالتالي، لم تعد تنفع كل وسائل الإنعاش، خصوصاً أن جنبلاط أعاد تموضعه خارج 14 آذار والحريري نسج تحالفات مختلفة عن تحالفاته السابقة في الانتخابات النيابية، ما يعني بحسب جعجع، الحاجة إلى تحالفات جديدة وليس إعادة إحياء تحالفات قديمة.
في سياق تشكيل الحكومة، تتبدى ملامح حرب تصفية حسابات بين القوات والتيار الوطني الحر. يتصرف جعجع على قاعدة أن التيار أخل بتعهداته القديمة، فيما يتصرف التيار على قاعدة أن موازين القوى داخل البلد وفي المنطقة لا تسمح لسمير جعجع بأن يطلب ما يطلبه «فما كان أثناء اتفاق معراب شيء وما وصلت إليه الأمور شيء آخر».
وعلى رغم كون حصة القوات ليست الوحيدة أمام الحكومة مع وجود عقبات درزية وسنية غير أن أي طرف لم يتحدث عن صعوبات جوهرية تعتري تشكيل الحكومة، لكن في المقابل لا أحد يحكي عن تشكيلها. ينتظر الحريري نتائج لقائه مع ولي العهد محمد بن سلمان في روسيا على هامش احتفالات البدء بكأس العالم لمباراة كرة القدم حيث دعا الرئيس الروسي بوتين ما يقارب 300 شخصية عالمية احتفاء بالمناسبة.
قد يزيد هذا اللقاء إن حصل من حيرته أكثر مما يساعده على حلّ عقدة الحكومة، ليعود إلى لبنان ويكون في انتظاره رئيس جمهورية شبه متأكد أن «ما يفعله السعوديون موجه ضدي» ويجب ألا يرضخ له.