خبر

“التيار والقوات” ثنائية أم أنانية؟

بقلم: دافيد عيسى

 سياسي لبناني

 

نستشعر أجواء قلق عند المسيحيّين كان يجب ويفترض أنّها ولّت مع وصول الرئيس العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا ووصول كتلتين نيابيّتين مسيحيّتين قويّتين إلى مجلس النوّاب بعد انتخابات نيابيّة لها ما لها وعليها ما عليها.

هناك جانب من القلق على المستوى العام يتشارك فيه المسيحيّون مع شركائهم في الوطن وهو ناجم عن ثلاثة عوامل راهنة:

 –  الأول: الوضع المتقلب والمتفجر في المنطقة وحيث إنّ السفينة اللبنانية تبحر وسط بحر هائج وتتقاذفها الأمواج التي تبعدها في المدى المنظور عن شاطئ الأمان.

 – الثاني: يتمثل بالوضع الاقتصادي الصعب الذي يرخي بثقله على مجمل الحياة الاجتماعية في لبنان مع اندثار شعور الأمان الاجتماعي وتفاقم الأعباء المالية واتساع الفجوة بين الكلفة والقدرة ما أدى إلى هبوط مستوى المعيشة وتراجع فرص العمل وتفاقم البطالة والهجرة خصوصاً في أوساط الشباب وخريجي الجامعات.

–   الثالث: يتعلق بالحكومة الجديدة واحتمال تأخر تشكيلها نتيجة الشروط والشروط المضادة واتساع لائحة المطالب وانفتاح الشهّية على التوزير والحصص، أو نتيجة مداخلات وتطورات إقليمية تدخل على خط الوضع اللبناني وتعيد خلط الأوراق.

هذا مع العلم أنّ لا مصلحة لأحد في قيام أزمة حكوميّة كون الوضع الاقتصادي لا يحتمل أيّ تأخير وكذلك الأوضاع الخطيرة على مستوى المنطقة… وبالتالي يجب التركيز على الهدف الأساسي وهو تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن.

 مرسوم التجنيس…

إنّ الانزلاق إلى مشاكل فرعيّة مثل أزمة مرسوم التجنيس الذي أثار ضجّة وصخباً وانقساماً لما انطوى عليه من غموض والتباس، لكن هذا يجب ألاّ يلهينا عن تشكيل الحكومة، وهنا وفي هذا المجال لا بد من التنويه بالخطوة الشجاعة والمسؤولة التي أقدم عليها رئيس الجمهوريّة ميشال عون عندما بادر إلى وضع الملف في عهدة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم للتدقيق بالمرسوم وتحديد مستحقي الجنسية وغير المستحقين لها، ويكفي أن جرى وضع هذا الملف في أيدٍ أمينة حتى تراجعت الأزمة ووُضِعَت على سكة المعالجة الصحيحة.

 

الخطاب التدميري بين “التيّار” و “القوّات”…

الجانب الآخر أو الوجه الآخر للقلق يخص المسيحيّين ويعنيهم لوحدهم بعدما “راحت سكرة الانتخابات وجاءت فكرة الواقع السياسي” الذي يفيد أنهم متّجهون من جديد إلى حالة إحباط وخيبة على الرغم من خروجهم من الانتخابات النيابية راضين عن النتائج الجيدة التي أحرزوها بعدما أعطاهم القانون النسبي الجديد فرصة وقدرة إيصال أكثرية نوابهم بأصواتهم وقوّتهم الذاتية بعيداً عن عوامل وهواجس الطغيان العددي والخلل الديمغرافي.

فليس قليلاً أن يصبح “التيار الوطني الحر” صاحب أكبر كتلة نيابية في المجلس وأن تزيد كتلة “القوات اللبنانية” النيابية إلى الضعف، وأن يصبح للفريق المسيحي الثلث المعطل في مجلس النوّاب للمرّة الأولى منذ اتفاق الطائف وأن تكون له الحصة الوازنة والفاعلة في الحكومة…

أما القلق العائد فمرده إلى عودة التوتر والتأزّم إلى العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” وظهور مؤشّرات وعلامات تُنبئ باحتمال عودة الوضع المسيحي إلى حقبة الانقسامات والخلافات والصراعات وسقوط المصالحة التي أرساها “اتفاق معراب” فاتحاً صفحة جديدة ومقفلاً صفحة الماضي البغيض والأسود…

فما كان يأمله المسيحيون هو توسيع نطاق المصالحة والاتفاق ليشمل كل القوى والأحزاب والقيادات وعلى رأسها “تيار المردة” و”حزب الكتائب” بما يؤدي إلى توحيد الصف وتفعيل الموقف تحت سقف المصالحة المسيحية والوطنية العليا.

ولكنهم يفاجأون بكل أسف بأن الاتفاق أخذ في التراجع والتلاشي وأنّ العلاقة بين طرفيه ليست على ما يرام وأنّ خطاباً تدميرياً نسمعه اليوم من الفريقين يُهدّد في حال استمراره بسقوط الاتفاق والمصالحة و”الهيكل” على الجميع.

 

 سمير جعجع وجبران باسيل…

من هنا نتوجه بصدق وإخلاص إلى الوزير جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر” وإلى الدكتور سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية” ولأنهما المسؤولان عن مصير “اتفاق معراب”، وتترتب عليهما مسؤولية ترميم ما تصدّع وإعادة وصل ما انقطع لنقول لهم بكل إخلاص وحرص:

 جبران باسيل يثبت أكثر فأكثر حنكة سياسية بدليل أنه نجح في تجاوز واحتواء أزمة كبيرة مع الرئيس نبيه بري خصوصاً بطريقة تعامله مع انتخابه رئيساً لمجلس النواب، وكيف أنه يجمع بين علاقتين عندما يبني علاقة جيّدة مع “تيار المستقبل” أكبر قوّة سنّية من دون أن يفرّط بالعلاقة مع “حزب الله” أكبر قوّة شيعيّة، كما يَلقى التأييد الكبير من أغلبيّة اللبنانيين من موقفه الرافض لتوطين النازحين السوريّين في لبنان.

ولكن كل ذلك لا يكفي إذا لم يتعامل الوزير باسيل بالحنكة نفسها مع الوضع المسيحي الداخلي ويحافظ على عناصر قوّته وأولها المصالحة مع “القوات اللبنانية” التي يجب تطويرها وترجمتها واقعاً سياسياً وتوسيعها لتشمل كل القوى المسيحية الأخرى.

وبالمقابل وَصَلَت “القوات اللبنانية” برئاسة الدكتور سمير جعجع إلى أفضل مستوياتها الشعبيّة والسياسيّة وأثبتت أنّها حزب منظّم يعرف كيف يخوض الانتخابات ويربحها، ولكن هذا لا يكفي إذا لم يقترن بقدرة سياسيّة على التعاطي مع الوضع وإدارة التوازنات والتناقضات وإلا فإنّ ما تم ربحه في الانتخابات يمكن خسارته في السياسة.

وعلى “القوّات”، وأقولها بكل محبّة وحرص، تفادي الوقوع في الأخطاء السياسية التي رأينا واحدة منها مباشرة بعد الانتخابات عندما أحجمت عن التصويت للرئيس نبيه بري وتأييد انتخابه لولاية جديدة، وهذا الموقف وسط شبه إجماع وطني على الرئيس برّي كان من الصعب فهمه وتبريره لأنّ مصلحة القوّات اليوم، أنْ تكسب حلفاء سياسيّين هي في أمسّ الحاجة لهم.

“القوّات” تمثّل ثقلاً مسيحياً كبيراً، وهذا مؤكّد، ولكنها في لغة الأرقام والسياسة هي تمثّل أقليّة في مجلس النواب مع 15 نائباً من أصل 128، ولا تستطيع أنْ تفعل الكثير وأنْ تكون فاعلة ومؤثّرة من دون حليف سياسي، ومثل هذا النوع من الأخطاء يمكن أنْ يتكرّر إذا لم تُحسن “القوّات” القراءة السياسيّة الصحيحة، أو إذا لم تعط أولويّة وعناية خاصة لصيانة المصالحة المسيحيّة والحؤول دون سقوطها لأنّ هذه المرة سيكون السقوط عظيماً…

وفي الختام أقول “للتيار” و”القوات” إنّ لغة الأحجام والصراع على الأحجام هو كلام مؤذي للمسيحيّين خصوصاً عندما لا يعود المسيحيّون مجتمعين يمثّلون أكثر من 30% على مستوى الوطن، وهم يحتاجون كي يصبحوا حجماً إلى توحيد الصف والموقف والطاقات والحصص، من هنا لم يعد مسموحاً أن تتحوّل “الثنائيّة المسيحيّة إلى أنانيّة مسيحيّة” حتى تستقيم الأمور ويعود للمسيحيّين دورهم الفاعل في الوطن … ومن له أذنان سامعتان فليسمع.