صحيفة الجمهورية
لم تكفِ لبنانَ المكابدة الجارية لتأليف الحكومة الجديدة والمحفوفة بكثير من العقبات والعراقيل التي تستلزم جهوداً جبّارة لتذليلها وإنجاز الاستحقاق الحكومي، حتى برز ما بدأ يُسمّى «أزمة المرسومين»، وهما مرسوم التجنيس ومرسوم تعيين القناصل الفخريين، وهذان المرسومان ينطويان على مخالفة واضحة قانونية ودستورية لانعدام التوازن فيهما. وعلمت «الجمهورية» أنّ الاتّصالات ناشطة منذ السبت بغية توفير حلّ لهذه الأزمة قبل عيد الفطر السعيد، علماً أنّ الآمال التي أبداها البعض بولادة الحكومة قبل العيد قد ذهبَت أدراج الرياح، وأنّ البحث الجدّي في هذا الملف سيتجدّد ابتداءً من الأسبوع المقبل، إلّا أنّ أحداً من المعنيّين لا يحدّد أيَّ موعد بعد لصدور مراسيم التشكيلة الوزارية الجديدة، خصوصاً أنّ عشاء «الزيتونة باي» مساء السبت بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف لم ينتج حكومةً، خلافاً لِما توقّعه بعض المعنيين.
على مسافة أيام من دخول البلاد مدار عطلة عيد الفطر، واستعداد الرئيس المكلّف سعد الحريري للسفر إلى روسيا للمشاركة في افتتاح «المونديال»، تواصَلت المشاورات والاتصالات في مختلف الاتجاهات لاستيلاد الحكومة العتيدة، بعضُها خلف الكوليس والبعض الآخر في العلن، ومنها الاجتماع بين الوزيرين في حكومة تصريف الأعمال، غطاس خوري وملحم الرياشي، لتذليل العقبات من أمام التأليف.
فيما تركّزَت الاهتمامات على اللقاء ـ العشاء الذي جمع مساء أمس الأوّل السبت رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف في أحد مطاعم «الزيتونة باي» بعد تجوّلِهما فيها بين المواطنين، وذلك عقب حضورهما احتفالَ قوى الأمن بعيدها الـ ١٥٧ الذي أقيمَ في نادي اليخوت.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ هذا اللقاء بين عون والحريري كان عفوياً جداً ولم يكن مقرّراً في الشكل الذي اتّخَذه، وقد انعكس ارتياحاً لدى روّاد المنطقة الذين رحّبوا به، على الرغم من معرفة الطرفين بأنّهما سيشاركان في الاحتفال الذي دعت إليه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. علماً أنّ لقاءً كان مقرّراً بين الرَجلين في عطلة نهاية الأسبوع لتقويم نتائج المساعي التي يَبذلانها لتسهيل الولادة الحكومية ومعالجة القضايا الطارئة على أكثر من مستوى ديبلوماسي وإداري.
من جهتها، قالت مصادر قصر بعبدا لـ«الجمهورية»: «إنّ اللقاء كان ودّياً وقد بدأ بتقويم التطوّرات على الساحتين الإقليمية والمحلية وتناوَل بالتفصيل الصيَغ الحكومية المطروحة والعقَد التي تواجهها، وتمّت جوجلةُ المواقف على تعدّدِها واختلافها بعدما شهدَ قصر بعبدا الجمعة الماضي أوسعَ جولةِ مشاورات للوقوف على حجم العقَد القائمة وسبلِ تذليل ما أمكنَ منها للإسراع في الخطوة التالية التي ستبدأ بالتفاهم على توزيعة الحصص الوزارية قبل الدخول في الأسماء التي يمكن إسقاطها بسهولة على الحقائب بعد التوافق على التوزيعة».
ولفتت المصادر إلى أنّ عون والحريري اتّفقا على أن يكون للبحث صِلة، «فهناك محطات أساسية ستشهدها الساحتان المحلية والإقليمية، ومِن بعدها سيعاوَد البحث في التشكيلة الوزارية العتيدة. ومِن هذه المحطات زيارة الحريري لموسكو ولقاؤه العابر مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي سينتقل منها إلى الرياض حيث يُمضي عطلة عيد الفطر مع أفراد عائلته المقيمة هناك».
وعلمت «الجمهورية» أنّ عون والحريري عرَضا في جانب من لقائهما للصيغة التي انتهت إليها تسوية مرسوم تعيين القناصل الفخريين قبل انفجار الأزمة في شأنه بين بعبدا وعين التينة. وقضَت هذه التسوية بإحالة هذا المرسوم إلى وزير المال علي حسن خليل ليوقّعه، أو يصرفَ النظر عنه إذا ارتأى رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير المال ذلك في انتظار إصدار مراسيم أخرى. فلا رئيس الجمهورية ولا رئيس مجلس النواب يريدان تكرار تجربة مراسيم ترقيةِ الضبّاط وما رافقها من جدلٍ دستوري لا طائلَ منه، وكلّ ما في الأمر أنّ وزير المال رفضَ توقيعَ المرسوم الأخير بعدما ربط توقيعَه بإصدار مراسيم أخرى لم تصدر بعد، كتلك المتّصلة بحرّاس الأحراج وفي قطاعات أخرى ما زالت مجمَّدة، وهو ما أجبَر كلّاً مِن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية على توقيعه تباعاً لتسيير الأمور الديبلوماسية المرتبطة بحركة القناصل.
وحول الحديث عن إصدار هذا المرسوم في فترة تصريف الأعمال الضيّقة للحكومة قالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ «تعيين القناصل تمّ في جلسات مجلس الوزراء قبل دخول الحكومة في تصريف الأعمال، وإنّ صدور المرسوم لا يعدو كونه أمراً تنفيذياً لقرارات كانت الحكومة قد اتّخذتها في وقتٍ سابق عندما كانت تتمتّع بكامل مواصفاتها الدستورية قبل بلوغها مرحلة تصريف الأعمال.
«الحزب»
في غضون ذلك، لم يجد «حزب الله» أيَّ عقبة يمكن أن تؤخّر تأليف الحكومة، مشدّداً بلسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد على وجوب أن تؤلَّف «وفق النظرة الواقعية التي تلحظ حضورَ القوى الوازنة في البلاد ومشاركتها بأحجامها، وتنطلق في عملها، لأنّ الوطن لا يتحمّل تأخيراً في الملفات».
في الموازاة، اتّهَم عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، المملكة العربية السعودية بـ«التدخّل في التشكيل من أجل إضعاف المقاومة». وقال: «إنّ السياسة السعودية لم توفّر أحداً من شرّها، فهي لا تزال تشكّل تهديداً مباشراً للوفاق الوطني اللبناني ولاستقرار الحياة السياسية في لبنان». وأكّد «أنّ لبنان لن يكون ساحةً للإملاءات والوصاية والهيمنة السعودية».
«المستقبل»
وتعليقاً على كلام قاووق اكتفَت مصادر «المستقبل» بالتأكيد مجدّداً لـ«الجمهورية» أن «ليس هناك أيُّ تدخّل سعودي لا مباشَر ولا غير مباشر في تشكيل الحكومة»، مشيرةً في الوقت نفسِه إلى استمرار المشاورات لتأليف الحكومة العتيدة.
«لبنان القوي»
وقالت مصادر تكتّل «لبنان القوي» لـ«الجمهورية»: «إنّ الاستحقاق الحكومي داخليّ، وقد أثبتَ لبنان بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، وعلى الرغم من الأزمات الكبيرة التي مرَرنا بها إقليمياً ودولياً، أنّ هناك إجماعاً لبنانياً على المحافظة على هذه المعادلة اللبنانية».
باسيل والمفوّضية
وعلى خطِّ الاشتباك بين وزير الخارجية جبران باسيل ومفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد قرار تعليقِه طلباتِ الإقامة لمصلحتها، اعتراضاً على سياساتها في شأن عودة النازحين السوريين من لبنان إلى سوريا، وفيما يترقّب الجميع مآلَ هذا الاشتباك، تؤشّر كلُّ المعطيات المتوافرة لـ»الجمهورية» إلى أنّ باسيل يترقّب ردّة فِعل المفوّضية ومدى تجاوبِها مع خطوته، لكي يبنيَ على الشيء مقتضاه. وتؤكّد المعلومات في هذا الصدد أنه لن يتراجع، لا بل إنه يستعدّ لخطوته الثانية، مستنداً في إجراءاته إلى الصلاحيات الممنوحة له ولمديرية المراسم في وزارة الخارجية.
ويأتي تصميم باسيل على إعادة النازحين إلى بلادهم لانتفاء أسباب بقائهم في لبنان بعد توقّفِ الأعمال القتالية في مناطقهم التي باتت في معظمها آمنةً، وعودتُهم إليها بالتالي ممكنة. ويأخذ باسيل على المفوّضية دورَها السلبي وممارسة ضغوطها على النازحين وتخويف من يَرغب منهم من العودة وحضّهم على البقاء في لبنان.
الراعي والتجنيس
ومِن جهة ثانية، اعتبَر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «أنّ مرسوم التجنيس مخالف لمقدّمة الدستور، وقد صَدمت السلطة الشعبَ به».
وقال خلال ترؤسِه قدّاسَ عيد قلب يسوع الأقدس على مذبح كنيسة الصرح الخارجية «كابيلا القيامة»: «فيما كان الشعب اللبناني ينتظر بأملٍ ولادةَ حكومةٍ جديدة تكون على مستوى التحدّيات والانتظارات والوعود، إذ بالسلطة تصدمه بمشكلة في غير محلّها، بإصدار مرسوم تجنيس مجموعةٍ من الأجانب من غير المتحدّرين من أصل لبناني. وهو مخالف للدستور في مقدّمته التي تنصّ بنحوٍ قاطع وواضح: «لا تقسيم ولا توطين» (الفقرة ط). فالتوطين هو منحُ الجنسية لأيّ شخص غريب لا يتحدّر من أصل لبناني».
وسأل الراعي: «كيف يمكن قبول ذلك وفي وزارتَي الخارجية والداخلية ألوفٌ مكدَّسة من ملفّات خاصة بطالبي الجنسية وهم لبنانيو الأصل. وهل يُعقل أن يظلّ القانون الصادر عام 1925 في زمن الانتداب الفرنسي، وقبل عشرين عاماً من الميثاق الوطني والاستقلال التام، الأساسَ لمنحِ الجنسية اللبنانية؟».