صحيفة الجمهورية
طغى أمس «حابل» مرسوم التجنيس في ضوء نشرِه في «الجريدة الرسمية» على «نابل» مرسوم التأليف الذي لم يصدر بعد. فيما تعجّ الأوساط السياسية بأسئلة حول سبب التأخّر في تأليف الحكومة طالما إنّ القوى السياسية الفاعلة والمؤثّرة في البلد تدعو في كلّ لحظة إلى الإسراع في الولادة الحكومية، وتوحي وكأنّ تقاسُم الحصص الوزارية قد حصَل ولم يبقَ إلّا اختيار أسماء الوزراء وإسقاطها على الحقائب الوزارية. وبدا للمراقبين أنّ الاتصالات التي ستشهدها الأيام الفاصلة عن عيد الفطر السعيد الذي يصادف أواخر الأسبوع المقبل، لم تحقّق أيَّ نتائج يمكن البناء عليها لتوقّعِ أن تكون الحكومة الجديدة «عيدية» للّبنانيين، الصائمين منهم وغير الصائمين. علماً أنّ إقلالَ المعنيين في الكلام عن الموضوع الحكومي ناجمٌ من «صوم سياسيّ» يؤدّونه خدمةً لمفاوضات التأليف الجارية خلف الكواليس وضماناً لنجاحها.
بعد جدالٍ كبير وردّات فعلٍ رافضة رسمياً وشعبياً، تبوَّأ مرسوم التجنيس والقاضي بمنحِ الجنسية اللبنانية لنحو 400 أجنبي صدارةَ الأحداث السياسية مجدّداً، حاجباً الاهتمام عن مسار تأليف الحكومة العتيدة ومصيرِه. إذ نشرته وزارة الداخلية والبلديات أمس على موقعها الإلكتروني وحملَ الرقم 2942 تاريخ11 أيار 2018)، وذلك بعدما تحوَّل «قضية رأي عام، وعملاً بمبدأ الشفافية». وقد صَدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ممهوراً بتوقيعَي رئيس الوزراء سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق.
وتبيّن أنّ هذا المرسوم يمنح الجنسية اللبنانية لـ 405 أشخاص من جنسيات سورية وعراقية وسودانية وفلسطينية ويمنية وإيرانية وسعودية ورجال اعمال قريبين من النظام السوري، فضلاً عن أشخاص من جنسيات اميركية وأوروبية ومن أميركا اللاتينية. وقد توزّعت أسماء هؤلاء المجنسين كالأتي: فلسطين: 108، سوريا: 103، فرنسا: 47، الولايات المتحدة الأميركية: 20، المملكة المتحدة: 17، الأردن: 17، العراق: 13، كندا: 12، مكتوم القيد: 11، قيد الدرس: 10، إيطاليا: 6، السويد: 6، سويسرا: 5، الارجنتين: 4، اليونان: 4، الهند: 4، مصر: 3، المانيا: 3، أرمينيا: 2، روسيا: 2، السودان: 1، الفلبين: 1، كولومبيا: 1، السعودية: 1، تونس: 1، تشلي: 1، ايران: 1، اليمن: 1.
وأشارت وزارة الداخلية إلى «أنّ التحقيقات الأوّلية التي أجرتها أظهَرت أنّ عدداً من الأسماء تدور حولها شبهات أمنية وقضائية، وأنه يتمّ حالياً التدقيق في مدى صحة هذه المعلومات، من خلال التحقيق الإضافي الذي تجريه المديرية العامة للأمن العام مع بقيةِ الأسماء الواردة في المرسوم».
بعبدا مرتاحة
في غضون ذلك عبَّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام زوّاره أمس عن ارتياحه الى خطوة وزارة الداخلية، واعتبَرها «خطوة في السياق الطبيعي لسير الأمور، فالخطوة كانت من مسؤوليتها ومِن مهماتها، كما قال بيان المديرية العامة لرئيس الجمهورية قبل أيام في جوابها على طلب رئيس حزب الكتائب تسليمَه نسخةً من المرسوم ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وقال زوّار عون إنه «جدّد تمنياته على كلّ من لديه أيّ معلومة ذات قيمة الإدلاء بها والتجاوب مع النداء الذي أطلِق للحصول على معلومات تتعلق بالذين منحَهم المرسوم الجنسية اللبنانية للتثبتِ من بعض الروايات التي أحاطت بعدد ممّن منِحوا هذه الجنسية».
وكان عون قد تتّبع مختلف التطوّرات التي رافقت المعالجات الجارية وناقشَ آخِر المعلومات الأوّلية التي توافرت لدى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بما فيها ما اشارت اليه وزارة الداخلية في بيانها عقبَ نشرِ المرسوم من «أنّ التحقيقات الأوّلية التي أجرتها وزارة الداخلية أظهَرت أنّ عدداً من الأسماء تدور حولها شبهات أمنية وقضائية». لافتةً الى «أنّ ما يجري حالياً من تحقيقات تهدف الى «التدقيق بمدى صحّة هذه المعلومات، من خلال التحقيق الإضافي الذي تقوم به المديرية العامة للأمن العام مع باقي الأسماء الواردة في المرسوم».
«بيت الوسط»
ومن جهتها، مصادر «بيت الوسط» قالت لـ«الجمهورية»: «لقد اعتبَر الرئيس الحريري ومنذ اللحظة الأولى أنّ المرسوم حقٌّ لرئيس الجمهورية ومِن صلاحياته الرئيسية».
«لبنان القوي»
وسألت مصادر تكتّل «لبنان القوي» عبر «الجمهورية»: «من يطلق النار على الرئيس وبأيّ خلفية؟ من أزعج رئيس الجمهورية ميشال عون بممارسته خلال السنة الأولى من عهده؟ وهل القصّة قصة مرسوم أم حصار رئاسة قوية وفاعلة لم يشهدها لبنان منذ التوصّل الى «إتفاق الطائف»؟
وقالت هذه المصادر: «هذه الأسئلة برسم الرأي العام ومَن يشنّ حملةً ممنهَجة على رئاسة الجمهورية بعدما وضَع الرئيس مرسوم الجنسية تحت رقابة الأمن العام والشعب اللبناني وبعدما أمرَ بنشرِه متجاوزاً الأصول، وذاهباً الى أقصى حدود الشفافية»؟ وأكّدت «أنّ القصّة إذاً ليست قصّة مرسوم، إنّما قصة رئيس تجاوَز الخط «المرسوم» لرئاسة الجمورية منذ «الطائف»، وإلّا لمصلحة من تجريدُه من حصّته الوزارية وتوقيعِه وصلاحياته من خلال حملات التشكيك به وبحقوقه… لكنّهم تناسوا تاريخَ ميشال عون، فليعودوا إليه ويتّعظوا، فمَن لم يستسلم في ١٣ تشرين لن يفرّط بالأمانة اليوم».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «بمجرّد أن تعلن وزارة الداخلية عن وجود شوائب في مرسوم التجنيس فهذا أكبر دليل الى أنّ هذا المرسوم لم يكن صالحاً للنشر وحصَل تسرّع في نشره. فليس مقبولاً صدور مرسوم من هذا النوع عن أعلى سلطة ثمّ يُصار لاحقاً الى تصحيح معلومات ورَدت فيه خطأ. ولذلك كانت مقاربتُنا من اللحظة الأولى في محلّها انطلاقاً من أمرين أساسيين:
-1 كانت هناك محاولة لتهريب المرسوم خلسةً ومن دون عِلم أحد، وكأنّ هناك أمراً كبيراً وأسماء محددة كان يُفترض تجنيسُها من دون علم أحد بالأمر، وملاحظتنا هي غياب الشفافية والتعاطي بنحو تسبَّب بردّات فِعل شعبية لم يتلقّفها المسؤولون لتوضيحِ وتبديدِ هواجس الناس وقلقهم.
-2 يُفترض بالمسؤولين عند إصدار مراسيم من هذا النوع، أن يكونوا استنفدوا كلّ الوسائل اللازمة من اجلِ توضيح كلّ الالتباسات، والوصول إلى معلومات نهائية حول كلّ الاسماء. فلا يستطيع المواطن ان يقدّم معلومة غير موجودة لدى الأجهزة المختصة والمعنية. فملفّات بهذه الدقة والحساسية يفترض ان تُدرس بتأنٍّ، وهذا لم يحصل.
ولذلك، فإنّ نشر المرسومِ في الإعلام خطوة جيّدة ولو متأخّرة، وكان يفترض أن تحصل قبلاً، لكن أن تأتيَ متأخرةً أفضلُ من أن لا تأتي أبداً، على الرغم من أنّها أثارت الشكوك حول أسباب التأخير، ولم تبدّد نهائياً هواجس الناس. وفي أيّ حال نأمل في أن يكون ما جرى قدَّم درساً مفاده أنّ قضايا من هذا النوع تتطلّب الشفافية والوضوح والعلنية وأن تكون مدروسة بالنحو المطلوب».
سعيد
واعتبَر النائب السابق فارس سعيد «أنّ رئيس الجمهورية أخطأ في إدارة ملفّ التجنيس». وقال لـ«الجمهورية»: «يتبيّن من خلال طبيعة الأسماء الواردة في مرسوم التجنيس أنّ هناك قراراً لدى أعلى سلطة في الجمهورية، أي رئيس الجمهورية، ببناء بيئة حاضنة ماليّة ومصرفية لبقاء بشّار الأسد في سوريا. أي بمعنى آخر تقرّ السلطة اللبنانية بشخص الرئيس بأنّ الأسد باقٍ في سوريا، وبالتالي علينا أن نتكيّف مع هذا البقاء ونبنيَ له في موازاة ذلك بيئةً حاضنة مالية ومصرفية في لبنان».
مصادر معارضة
مِن جهتها، قالت مصادر معارضة لمرسوم التجنيس لـ«الجمهورية»: «إنّ تجنيس عدد من المتموّلين المحسوبين من الدائرة المالية والاقتصادية اللصيقة بالرئيس السوري بشّار الأسد ومعاونيه الأساسيين ودخولهم على المنظومة الاقتصادية والمالية للدولة اللبنانية من شأنه أن يشكّل خطراً فعلياً على القرارات السيادية للدولة اللبنانية على أساس القاعدة المعروفة بأنّ من يمسك بالاقتصاد يمسك بالسياسة. الأمر الذي سيضع لبنان أمام مخاطر جديدة تضاف الى تلك الناجمة عن العقوبات التي يفرضها العرب والغرب على القريبين من حزب الله».
الحكومة
وعلى خط التأليف، لم يطرأ أيّ جديد ملموس بعد، ولكن بدا أنّ الجميع في انتظار خطوات الرئيس المكلف، وفي مقدّم المنتظرين تكتّل «لبنان القوي» الذي يترقّب حركة الحريري في اتّجاه رئيس الجمهورية للبحث معه في مشروع التشكيلة الوزارية وإطلاق مسيرة التأليف.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله سيتناول الموضوع الحكومي في الكلمة التي سيلقيها عصر اليوم لمناسبة «يوم القدس العالمي»، وسيدعو الرئيس المكلف الى الإسراع في تأليف الحكومة. كذلك سيتحدّث عن القضية الفلسطينية ومسيرات العودة، وسيتطرّق الى الاوضاع في الجنوب السوري، فضلاً عن قضية ترسيم الحدود في ضوء التطوّرات الاخيرة التي طرأت عليها.
وعشية إطلالة السيّد نصرالله، قال رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيّد هاشم صفي الدين: «لم يثبت لدينا حتى الآن أنّ هناك عوائق مهمّة وأساسية تدفع في اتّجاه تعليق عمل تأليف الحكومة. هذه مخاوف سياسية مشروعة ومقبولة، لكن على مستوى الوقائع يبدو أنّ الأمور ستسير بوتيرة جيّدة وسريعة، وهذا ما نتمنّاه ونسعى اليه وما يسعى اليه معظم السياسيين في البلد. أمّا أنّ هناك نيات أميركية وخليجية لتعليق الوضعِ السياسي في لبنان، فهذا تحليل له مكان، لكن لا نعتقد أنّ الأميركي والسعودي يمكنهما أن يعطّلا الحياة السياسية في لبنان. هما عملا على التأثير على الوضع السياسي قبل الانتخابات وخلالها وبعدها، لكنّهما غير قادرين على تعليق الوضع السياسي برُمته، لأنّ هناك مستلزماتٍ ومتطلبات ملِحّة لجميع اللبنانيين، فإن أرادا أن يواجها فريقاً فسيكونان في مواجهة جميع اللبنانيين. وأعتقد أنّ الإرادة الموجودة لدى اللبنانيين هي إرادة تأليف الحكومة سريعاً من أجل القيام بواجبها في معالجة المشكلات التي يستفيد اللبنانيون من معالجتها».
قائد الجيش
أمنياً، أكّد قائد الجيش العماد جوزف عون «أنّ الاستقرار في البلاد هو اليوم أفضل من أيّ وقتٍ مضى، وذلك بفضل الدقّة والاحتراف في تنفيذ المهمّات لدى الوحدات العسكرية المنتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية. وخلال تفقّدِه قيادة «لواء الدعم» في الريحانية ولواء المشاة الثالث وفوج الحدود البرّية الثالث، المنتشرَين في منطقة البقاع الغربي، دعا عون الوحدات العسكرية إلى تكثيف التدابير الأمنية لحماية المواطنين، وإلى مزيد من الجهوزية والاستعداد للتصدّي للعابثين بالأمن.