خبر

ما هو المطلوب من الحكومة العتيدة؟

ألان حكيم – الجمهورية

 

مع إنتهاء الإنتخابات النيابية والفرز الجديد للقوى على الساحة السياسية، تتوجّه الأنظار إلى تشكيل الحكومة. وعلى أمل ألا يأخذ تشكيل هذه الأخيرة الكثير من الوقت، أصبحت أجندة الحكومة العتيدة شبه معروفة مع فرض الملفات الإقتصادية والمالية نفسها بقوّة على جدول أعمال مجلس الوزراء. فما هو المطلوب من هذه الحكومة؟
الأحداث التي مرّ بها لبنان منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى يومنا هذا جعلت من الملفات الإقتصادية والمالية للدولة اللبنانية في أخر سلّم السلطة السياسة. وأبعد من ذلك، إعتمدت الحكومات المُتعاقبة سياسة التعطيل في هذه الملفات على قاعدة «ملف مقابل ملف»! بالطبع لن نغوص في ذكر تفاصيل سياسة التعطيل إنما الهدف من ذكرها إستخلاص الدروس والعبر للمرحلة المُقبلة.

ان مسح وضع لبنان الإقتصادي يُظهر عددًا من المشاكل التي أصبحت معالجتها أكثر من ضرورية:

• أولًا – غياب الإستثمارات والتي من دونها لا يُمكن للبنان تسجيل نمو إقتصادي. هذا الغياب دوافعه سياسية وعلى رأسها إسقاط حكومة الحريرية في العام 2011 ولكن أيضًا نتيجة تفشّي الفساد الذي يُعتبر من أكبر آفات الإقتصاد وغياب الإصلاحات الإقتصادية. وعلى هذا الصعيد يأتي تفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليزيد من هذه الإستثمارات.

• ثانيًا – العجز في الميزان التجاري والذي لا يُمكن الإستمرار فيه نظرًا لتداعياته السلبية على ميزان المدفوعات وبالتالي على الليرة اللبنانية. ولكن يبقى الأهم حرمان الإقتصاد من فرص إقتصادية كانت لتعود بالفائدة على لبنان لو تمّ تصنيع قسم مما يستورده لبنان من الخارج. هذه الفائدة تتمثل بخلق فرص عمل ولكن أيضًا المساهمة في رفع الناتج المحلّي الإجمالي. وهنا يتوجّب القول أن دعم قطاعي الصناعة والتكنولوجيا هو الشرط الأساسي لخفض عجز الميزان التجاري.

• ثالثًا – تحسين مناخ الأعمال بهدف رفع الإستثمارات وزيادة النشاط الإقتصادي عبر عدّة إجراءات على رأسها سياسات ضريبية تحفيزية وتسهيل الإجراءات الإدارية وزيادة الثقة بالقضاء الذي يُعتبر الضامن الوحيد في الأسواق الحّرة.

• رابعًا – محاربة الفساد الذي لا ينفكّ يضرب المالية العامة عبر حرمانها من 10 مليار دولار أميركي سنويًا ولكن أيضًا ضرب قواعد اللعبة الإقتصادية مما يُزعزع ثقة اللاعبين الإقتصاديين (مستثمرين ومُستهلكين). وهذا الأمر لا يُمكن أن يتمّ إلا عبر إجراءات تتمثل بزيادة الشفافية في التعاطي بالشأن العام ولكن أيضًا خلق الحكومة الإلكترونية وخلق هيئة وطنية لمحاربة الفساد.

• خامسًا – معالجة العجز المُزمن في الموازنة والذي يفوق الـ 5 مليار دولار أميركي سنويا مما يرفع الدين العام بمعدل وسطي 3.1 مليار دولار أميركي منذ العام 1993 وحتى العام 2016. هذا الأمر يفرض إعادة النظر في سياسة التوظيف في القطاع العام كما وملفّ الكهرباء والفساد.

• سادسا – لا يُمكن بالطبع نسيان الفقر الذي يفتك بالمجتمع اللبناني الذي زادت فيه نسبة الفقر من 28% في العام 2008 إلى أكثر من 31% في العام 2017، ناهيك عن الخلّل في التوزيع العادل للثروات كلٌ بحسب مُساهمته في الإقتصاد. وبالنظر إلى مؤشّر GINI لتوزيع الثروات نرى أنه يوازي 82100 (100 يعني توزيع غير عادل على الإطلاق) وأن 0.3% من اللبنانيين يمتلكون أكثر من 50% من ثروات لبنان.

• سابعًا – إقرار سلسلة من القوانين وعلى رأسها قانون المنافسة والذي أصبح حاجة مُطلقة لفكّ الإحتكار في الأسواق مما يضمن ثبات في الأسعار وبالتالي مزيد من الإستهلاك مع رفع الناتج المحلّي الإجمالي.

• ثامنًا – تدعيم إستقلالية القضاء لما لهذا الأخير من وقع على ثقة اللاعبين الإقتصاديين. وهذا التدعيم لا يُمكن أن يحصل إلا إذا ضمنا له ثلاثة عناصر: إدارة الجهاز الإداري القضائي من قبل القضاة، إنتخاب القضاة من قبل القضاة أنفسهم من دون أن يكون للسلطة السياسية دور في ذلك، وإستقلالية مالية على صعيد الأجور وصندوق التعاضد.

إن مؤتمر سيدر 1، وعلى الرغم من العيوب الشكلية التي طالت حصوله قبل أسابيع من الإنتخابات النيابية، له آفاق واعدة إذا ما تمّ تطبيق الإلتزامات التي قدمتها الحكومة أمام المُجتمع الدوّلي. هذه الآفاق تتمثّل بالكمّ الكبير من الإستثمارات التي سيتمّ تنفيذها وما يواكبه من دخول عملة صعبة إلى لبنان. على هذا الصعيد، يأتي تفضيل العمالة اللبنانية على العمالة الأجنبية ليتصدّر الإجراءات التي يجب على الحكومة اللبنانية القيام بها.

يتحدث السياسي والإقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر الذي عمل كثيرًا على فحص العلاقة بين الإقتصاد والسياسة بهدف تطوير المُجتمع النمساوي، عن إنجراف المُجتمع نحو الإقتصاد من خلال ديناميكة إجتماعية يكون فيها للإقتصاد أولوية على السياسة. لذا أهم ما يتوجّب على الحكومة القيام به هو فصل السياسة عن الإقتصاد عبر خلق آلية للقرارات الإقتصادية تكون مُختلفة عن آلية أخذ القرارات السياسية. هذه الآلية يجب أن تستند إلى معايير عملية بحت لا يكون للسياسة دور فيها وتهدف إلى تحويل الإقتصاد اللبناني من إقتصاد شبه ريعي إلى إقتصاد إنتاجي عماده الصناعة، التكنولوجيا والزراعة بالتوازي مع بنية تحتية مُتطوّرة وخدمات عامّة ترتقي إلى مستوى الخدمات في الدول الأوروبية.