خبر

إعادة كتابة الحكايات الخرافية من منظور معاصر

الحكايات الخرافية من أكثر أنواع الأدب شيوعاً. وتنبع أهميتها من كونها تتضمَّن ما يمكن وصفه تجاوزاً حقائقَ عالمية وقيماً اجتماعية محلية في الوقت نفسه. كما أنها موجَّهة في الغالب إلى فئة عمرية مهمة، وهي فئة الأطفال، رغم أن أكثرها لم يكن مقصوداً للأطفال في الأساس كما يقول الباحثون. واستحالت عبر الزمن أعمالاً كلاسيكية تشكّل مصدراً ثرياً من مصادر المعرفة، ينقل في جزء منه ماضياً جمعياً نتعرَّف إليه من خلال الحكمة والتجربة الإنسانية التي تنطوي عليها تلك الحكايات. وليس بمستغرب أن تجد أصولُ تلك الحكايات طريقها إلى كثير من أدب العالم المعاصر وأفلامه، حتى إن كثيراً مما يُكتب ويُنتج سينمائياً اليوم هو إعادة كتابة لتلك الحكايات المذهلة بشكل أو بآخر.

لم تسلم الحكايات الخرافية من النقد، فهي تحتوي على كثير مما لا تقبل به العادات والأعراف اليوم، مثل العنف والعلاقات المحرَّمة وأكل لحوم البشر وغيرها، وإنْ كانت تلك الجوانب الإشكالية قد تعرَّضت مراراً للتخفيف أو التلطيف أو حتى المحو من جامعي الحكايات الخرافية أولاً ومن ديزني ثانياً. كما أن من أوجه النقد الموجَّهة لعموم الحكايات الخرافية على المستوى الفني أنها تقدِّم شخصيات أحادية الأبعاد، وتفصل فصلاً طوباوياً واضحاً بين الخير والشر، دائماً ما ينال بسببه الأشرار عقابهم المستحق قبل أن تُحكم الحكايات حلقاتها. وبالمثل، على رغم حبكاتها القوية المؤثرة، يتغلب فيها الأخيار على الصعوبات وينالون مكافآتهم، مما يجعل تخطّي المشكلات وتجاوزها أمراً حتمياً بالنسبة لأبطال خارقين يندر أن ينتموا إلى هذا العالم. ولهذا لا غرو أن تؤدي الحكايات الخرافية في نسخها الحالمة الطوباوية وظيفة هَرَبية، يهرب من خلالها القرّاء والمستمعون والمشاهدون على السواء إلى عالم مثالي يسمو على عالمهم اليومي المكبل بالعقبات والتعقيد، ويوفِّر لهم بديلاً متخيلاً يمنحهم بعض الطمأنينة المؤقتة والرضا الوهمي.

وخلافاً للنظرة التي تعزو الحكايات الخرافية إلى الماضي، يمكن القول إن لكل عهدٍ حكاياته. ولأن المقال معني بإعادة كتابة الحكايات الخرافية في الثقافة المعاصرة، يمكن الإشارة إلى وجود وعي جديد أملى على المخيلة الأدبية والفنية مسؤولية إعادة كتابة تلك الحكايات بما يتوافق مع أفكار العصر وقيَمه. إذ لا يمكن القبول بالحكايات الخرافية واعتبارها نصوصاً جامدة تنتمي إلى الماضي فحسب، بل هي على العكس من ذلك نصوص حيّة قابلة للتدقيق وإعادة التصور. فقد عمد بعض الكتّاب والفنانين والمُخرجين في زماننا هذا إلى إعادة تصور الحكايات الخرافية من جديد، وسواءً أكانت الحكايات تشكّل كامل أعمالهم أو أجزاءً منها، فإنهم سخّروا جهدهم وملَكاتهم لمقاربات جديدة وجريئة لسحر الحكاية التي يعدها البعض آلية من آليات بقاء البشر وناقلة من نواقل الحضارة الإنسانية. وكان من نتائج تلك المقاربات أنها لم تقتصر محاولات إعادة تصور الحكايات الخرافية على الجنس الأدبي نفسه وحده، بل فاضت إلى أجناس أخرى أحدث وأكثر تسامحاً مع الابتكار. وهكذا ظهرت الحكايات من جديد في كافة الأجناس الأدبية الممكنة تقريباً، مثل القصة القصيرة والرواية والشعر والكتب المصورة وغيرها.

يتعامل القراء والمستمعون والمشاهدون اليوم مع الحكايات الخرافية على أساسين. أولهما أن يحطّ القرَّاء من قدر الحكايات، وذلك من خلال النظر إليها باعتبارها حكايات تافهة وبسيطة ونقية ولا تؤذي. وثانيهما يبالغ في تقدير تلك الحكايات، وذلك من خلال النظر إليها باعتبارها نصوصاً ثقافية أيقونية، لا يجب أن تُمَس لأنها ترتقي إلى منزلة التقديس. والواقع أن كلاً من هاتين النظرتين يعيق فهمنا للحكايات الخرافية ويحول دون النظر إليها نظرة ناقدة. ولو أن الكتّاب والمخرجين ركنوا إلى واحدة من هاتين النظرتين لما استمروا يقدِّمون تصوراتهم الجديدة لها مرَّة تلو مرَّة. والأجدر أن تُدرس النسخ المختلفة للحكايات الخرافية التي جمعها الباحثون من أجل استيعابها وفهم سياقاتها. فالتنوُّع في النسخ الذي يفسره الاختلاف الجغرافي والثقافي في وقت معيَّن، يماثله تنوُّع معاصر تفسره رغبة الإنسان المعاصر في كتابة حكاياته بنفسه. وفي كلتا الحالتين، فإن النظر إلى النسخ المتعدِّدة المختلفة لكل حكاية ودراستها جنباً إلى جنب يكشف عن المدى الذي يمكن اعتبار الحكايات الخرافية إليه نصوصاً ثقافية جديرة بالتوقف عندها.

من أبرز أدوار الحكايات الخرافية توجيه الصغار إلى ما هو مقبول من العادات والسلوكيات والقيم الاجتماعية والأخلاقية على السواء، حتى عدّ بعضهم الهدف الرئيس من الحكايات الخرافية تكوين مؤسسة تربوية تغرس في الصغار قيماً مجتمعية معينة، خاصة قبل أن تتولى المدرسة الجزء الأكبر من هذا الدور. ولأن أكثر الحكايات الخرافية تدور حول أميرات، اشتملت قصصها على فتيات مطيعات تتربص الشرور والأخطار المحدقة بهن حالما يحدْن عن الطريق المختار لهن.

ففي واحدة من أشهر نسخ حكاية سندريلا على سبيل المثال، نسخة الأخوين غريم، تتعرَّض أختا سندريلا لعقاب بشع يتمثل في العمى طوال الحياة، إذ يفقأ الحمامُ عينَيْ كل أخت. وغالباً ما تعرض الحكايات تفاصيل دامية مفصلة عن العقاب القاسي الذي تناله الشخصيات غير المطيعة فيها. تقذف سندريلا بأختها في مرجل من ماء يغلي قبل أن يُقطع جسدها ويخلّل ويرسل إلى أمها لكي تأكله مع الطعام من دون علمها. هذه القسوة في العقاب تهدف إلى تنشئة الفتيات على العفة والتواضع والاحترام من أجل إعدادهن للمستقبل الذي يتمحور حول الزواج وما يترتب عليه من مهام منزلية. وعلى هذا الأساس، ترمي الحكايات إلى تعزيز القيم المذكورة أعلاه في الفتاة وضمان التزامها بالأدوار الاجتماعية النمطية الموصوفة لها، بدءاً بمظهرها الجميل المعتنى به وانتهاءً بخدمة الزوج المستقبلي والخضوع له.

ذات الرداء الأحمر

لعل خير مثال على هذا الدور الحكاية الكلاسيكية المعروفة باسم "ذات الرداء الأحمر" أو "ذات القبعة الحمراء"، وهي أكثر حكاية أعيدت كتابتها ورسمها من كتّاب ورسامين في العالم. والسبب أنها أكثر الحكايات الخرافية شهرة وشيوعاً، فقد أعيدت كتابتها مئات المرات بعشرات اللغات لتلائم قرَّاء من فئات عمرية مختلفة. كما جمعت بعض الكتب نماذج من تلك الحكايات لتوضح التباين الذي ظهرت به هذه القصة عبر الثقافات والعصور والمناطق المختلفة. لكن النسخ القديمة من الحكاية أخذت طابعاً تحذيرياً، إذ انطوت في حبكتها على تحذير الفتيات من المتربصين من الذكور السيئين. وبعض النسخ صرّحت بهذا التحذير، إما في متن القصة وإما فيما يحيط به مثل الغلاف وغيره، من الذئاب التي تجيء على هيئة بشر، فغدا لقاء الفتاة مع الذئب في الغابة مواجهة بين البراءة والسذاجة من جهة والخبث والغدر من جهة أخرى. والناتج بطبيعة الحال أن تقع الفتاة الصغيرة وجدّتها ضحيتي عدوان الذئب. أما اليوم فقد يُنظر إلى الحكاية على أنها مثال لإساءة الطفولة وللقمع غير المبرَّر، فحلّت مكان الفتاة البريئة الساذجة فتاةٌ تملك من الشجاعة والذكاء ما يساعدها على إنقاذ نفسها وجدّتها من مكر الذئب الذي تنجح في ترويضه والنيل منه.

سندريلا وذات الرداء الأحمر في نسختين عربيتين

كتب المفكِّر الراحل عبدالوهاب المسيري، بضعَ قصصٍ للأطفال. أعاد في ثلاث منها كتابة الحكايات الخرافية القديمة مثل حكايتي "سندريلا" و"ذات الرداء الأحمر". وتندرج هذه القصص، وعناوينها "سندريلا وزينب هانم خاتون" و"سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار" و"نور والذئب الشهير بالمكّار"، ضمن سلسلة أطلقت عليها دار الشروق اسم "حكايات هذا الزمان". وهي إشارة صريحة إلى الرؤية الجديدة المعاصرة التي أسبغها المسيري على القصص والتي لا تتوقف عند إضفاء طابع عربي على الحكايتين، وإنما تتعداه إلى تغيير الحبكة وإعادة تدوير الشخصيات ودمجها وخلاف ذلك. ففي قصة "سندريلا وزينب هانم خاتون"، على سبيل المثال، لا نجد الفتاة التي تبدّد الوقت في انتظار أميرها وفارس أحلامها ولا يُقام لها وزن حتى يتزوج منها في نهاية المطاف. على العكس من ذلك، فالبطلة في قصة المسيري فتاة مصرية طموحة، تحب العلم وتركب القطار يومياً في طريقها إلى الجامعة ومنها، مما يجعل زوجها المستقبلي ينتظرها حتى تنتهي من دراستها.

هذا عن سندريلا، أما الفتاة ذات الرداء الأحمر فاسمها في قصص المسيري نور، وتظهر في قصة "نور والذئب الشهير بالمكار" بذكاء وحصافة يقيانِها مكر الذئب الذي يبدو أمامها تائهاً ضعيف الحيلة. وفي هذا الجزء أهمّ ابتكار ابتكره المسيري في حكايته، ألا وهو الشخصية الميتاسردية للحكاية، حيث يُحيل النص الجديـد إلى النص القديم في الوقت الذي ينحرف عنه. نقرأ والقصة تقترب من نهايتها هذه الفقرة: "يضرب الأطفال الذئب ويضحكون عليه. ثم يقولون له:

"يا حضرة الذئب، نحن الآن في حكايات هذا الزمان". فلم يفهم الذئب شيئاً وقال مرَّة أخرى: "طبقاً لما جاء في الكتاب القديم لا بد أن أصل أنا قبل ذات الرداء الأحمر، فكيف حدث هذا؟! يوجد خطأ ما". إن الحكاية بهذا الشكل تخلق تبايناً على مستويين من مستويات الوعي. أولهما داخل القصة، حيث يتنبّه الذئب إلى أنه يعيش في زمن مختلف غير ذاك الذي كان يسود فيه، ولهذا فإن عليه أن يتقبل الدور الجديد الذي يسمح له بأن يؤديه. وثانيهما خارج القصة، حيث يتنبه القرَّاء إلى أنهم يقرأون قصة تنحرف في حبكتها وتصورها عما ألفوه واعتادوا عليه، ويستخلصون منها أن كل عصر يُملي تصوره الخاص ويفرض رؤيته على القصص. وبهذا تصبح القصص انعكاساً أصدق في موضوعها وشخصيتها ونبرتها.

وفي قصة "سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار" يجلس الذئب تحت شجرة منتظراً ظهور نور في طريقها إلى بيت جدتها. في تلك الأثناء، يزجي الوقت في تصفح كتاب الحكاية القديمة الذي هو أحد شخصياته. وحين تمر من أمامه نور في فستانها الأخضر الذي استعارته من صديقتها سندريلا، لا ينجح في التعرف إليها، خاصة وأنها تقطع الطريق على ظهر درَّاجة استعارتها من سندريلا أيضاً. في القصة المذكورة آنفاً، كما في سابقتها، يكون إصرار الذئب على شخصيته القديمة وتمسكه بالحكاية التقليدية، سبباً في تفوق الفتاة عليه والإيقاع به، مما يدعونا إلى القول إن الحديث يغلب القديم. وهي أيضاً مفارقة حاذقة، ففي النسخة الكلاسيكية تُحَضُّ الفتاة على التزام الطريق المألوف وعدم الحيد عنه، وإلا فالذئب المتربص يجلس لها بالمرصاد، أما هنا فيغدو تمسّك الذئب بما يألفه في حد ذاته سبباً في هزيمته أمام فتاة ذكية تتنبأ بتصرفاته وتستفيد منها.

إن الذئب في القصتين أحمق، لأنه ببساطة مُخلص في اتباع القصة القديمة بحذافيرها، وهذا سبب حيرته العميقة. حتى إنه حين يسأل نوراً عن المكان الذي تقصده، يستنكر ردّها لأنه لا يطابق ما هو موجود في الكتاب الذي يقرأه. وكما قال في القصة الأولى: "كيف حدث هذا؟ يوجد خطأ ما" يردِّد في القصة الثانية سؤاله المبهم: "ما الذي يحدث لهذا الجيل؟" على أية حال، ينكمش الذئب بمرور الوقت وينكمش حتى يصير بحجم صورة الذئب في الكتاب. وكأن المسيري يريد أن يقول لنا عن الذئب إن هذا حجمه الحقيقي.

النهايات السعيدة: نقض الأسطورة

واحد من أبرز ملامح الحكايات الخرافية كما نعرفها اليوم النهايات السعيدة التي تنتهي بها تلك الحكايات. حتى غدت عبارة "وعاشا في سعادة أبدية" التي تتكرَّر في نهايات الحكايات عبارة أيقونية وكأنها حجر الأساس الذي تبنى عليه القصص. وشكلت معلماً راسخاً من معالم أفلام ديزني التي جردت الحكايات من الجوانب البشعة والشرور فيها، وأسبغت على نهاياتها سمة احتفالية مبهجة، بأن جعلتها قصصاً ينتشل فيها الأمراء فتيات بائسات من بؤسهن ليجعلوا منهن أميرات. لكن النهايات السعيدة سعادة محضة لا تعبّر عن مجتمع اليوم. ولهذا السبب أُخذ على النهاية المبتذلة تحديداً انفصامها عن الواقع اليومي المعيشي، واختزالها المنمَّط لحياة أكثر تعقيداً كان يجب على الحكايات أن تعكسه بصدق.

افتتان الصغيرات بأميرات ديزني

مما تقدَّم، يمكننا فهم الأعمال الفوتوغرافية للفنانة الكندية دينا غولدستين التي ركَّزت على إعادة تصور مستقبل شخصيات الحكايات الخرافية. فقدأنتجت سلسلة من الصور الفوتوغرافية المحرّرة سمتها "أميرات محطمات" لتعيد صياغة نهايات الحكايات الشائعة أو تستكملها. تصوّر السلسلة بحسب كلام الفنانة "شخصيات من الحكايات الخرافية وهن يتعاملن مع مصائب اليوم مثل الفقر والسرطان والإدمان والسُّمْنة وخيبة الأمل". وكأنما تأخذنا إلى نتائج رحلة تقصٍّ قامت بها من أجل معرفة ماذا حصل بأولئك الأميرات السعيدات التي انتهت الحكايات عند سعادتهن الساذجة. لقد وضعت الفنانة في هذه السلسلة الفوتوغرافية شخصيات نعرفها في سياق حديث نعرفه أيضاً، لكن النتيجة كانت مثيرة للاهتمام ومحرضة على التدبّر، لأن الشخصيات المألوفة لم نعرفها في انتمائها للسياق المألوف. وهي بهذا تقترح سيناريوهات تتجاوز النهاية السعيدة الحالمة إلى الدعوة إلى مناقشة قضايا تصفها بأنها حقيقية وواقعية.

في إحدى الصور، نجد بياض الثلج في منزلها محاطة ببضعة أطفال في جو من الفوضى، بينما يشاهد زوجها الكسول مباراة رياضية على شاشة التلفزيون. مِن أطفالها مَن يصيح ومنهم من يعبث بالألعاب على الأرضية ومنهم من في حاجة إلى تغيير ملابسه. وفي صورة ثانية نجد ذات الرداء الأحمر فتاةَ بالغة بدينة تتمشى في غابة خريفية وهي تحمل سلة مليئة بالوجبات السريعة وتشرب مشروباً غازياً. أما في صورة ثالثة فنجد رابنزل على سرير في مستشفى وقد فقدت شعرها الجميل نتيجة العلاج الكيميائي، واستبدلت به شعراً مستعاراً، وهلم جرّاً.
النتيجة التحريرية في صور غولدستين واقع غير مريح، واقع لا يريد الناس أن يصدقوه ويتخيلوا وجوده، إذ الحياة لم تنصف هؤلاء الأميرات ولم تجُدْ بأمراء شباب بالغي الوسامة.. لقد وقفت الفنانة من حكايات ديزني موقفاً ساخراً ولاذعاً يحول بيننا وبين التصديق البريء لما تؤول إليه قصص الأميرات. تلفت انتباهنا إلى أن النهاية السعيدة التي توجه عناية الفتيات بمظاهرهن وسلوكهن إنما هي محض خيال، وأن الواقع الممثل في الصور صخرة صلدة تتهشم عليها رغباتنا وخيالاتنا الفانتازية الساحرة. إن الجسم السمين لذات الرداء الأحمر لهو أقرب إلى التصور والتحقّق من أجساد فتيات ديزني النموذجية المستحيلة. وبالمثل، زوج بياض الثلج الكسول الذي لا يساعد زوجته في ترتيب فوضى المنزل أقرب إلى التصور والتحقق من أمراء ديزني المثاليين. تقول غولدستين لنا إنه إنْ كان من شيء أبدي في الحكايات، فهو ليس السعادة التي تغمر الاثنين المتحدين مع الأسف، ولكنه مصاعب الحياة ومتاعبها التي لا يبدو أنها تنتهي. إنها باختصار تعمل على إيقاظنا من أثر السحر المخدّر الذي طالما سحرتنا به الحكايات الخرافية، وإعادة هذا الشكل الأدبي بالكامل إلى المتخيل الداني بعد أن ظل يسبح دهوراً في ملكوت اللامتخَّيل. كلّ العناصر البصرية في الصور، الدعايات والماركات والثقافة، تشدّ الحكايات الخرافية إلى الأدنى وتوثقها إيثاقاً شديداً إلى عالم محسوس ومألوف، لكنه قطعاً ليس بسعيد.
إن المجتمعات ما تنفكّ تستعيد الحكايات الخرافية من الماضي، لكنها أيضاً مواظبة على إعادة كتابتها وتشكيلها من جديد. وكل نسخة جديدة من الحكايات الخرافية خطوة في سبيل الوصول إلى فهم أعمق للحكايات الخرافية جميعها، وسماع ماذا تخبرنا به عن العالم. ومن هنا تنبع قيمة النسخ المعاصرة من تلك الحكايات، لأن هذه التنويعات الحديثة لحكايات كلاسيكية أو تقليدية نجهل مصادرها الغامض القديم، أقدرُ على مساعدتنا في فهم حاضرنا والتنبّه إليه، وإلّا فلماذا كلّ هذا الإصرار على إعـادة كتابـة شكل أدبي سحيق؟

**حقوق النشر محفوظة لمجلة القافلة، أرامكو السعودية