خبر

أساطير نجم عملاق زوَّجه العرب فبكته نجمة في السماء!

نجم سهيل، كوكب عرفه العرب منذ قديم الأزمان، وكان له حضور في أشعارهم وأمثلتهم، كما اعتبر جزءا من وعيهم المناخي والفلكي، حيث حسبوا من خلاله، تغير المناخ وتدرجه من الأشد حرارة إلى الأقل حرارة، ويعتبر يوم السبت، الرابع والعشرون من شهر أغسطس/أب، هو اليوم الذي تمكن فيه رؤية سهيل في العروض الوسطى للمملكة العربية السعودية، ولو في شكل تغلب عليه الصعوبة، لأن بين ظهوره وشروق الشمس، مجرد ثوانٍ معدودات.

ونجم سهيل، كوكب أضخم حجماً من الشمس، وأكبر بعداً منها عن الأرض بما يقدّر بـ 19 مليون مرة، بحسب الدكتور عبد الله المسند، الأستاذ في جامعة القصيم السعودية، حيث يوضح أن من يشاهد سهيلاً، الآن، يكون يشاهد صورته، وهي على حالها منذ أكثر من 300 سنة! بسبب بعده الهائل من الأرض والمدة المحسوبة بالثانية الضوئية التي سيقطعها الشعاع.

سهيل اليماني

ويسمى نجم سهيل، سهيل اليمانيّ، لأنه من جهة جنوب الجزيرة العربية فينسب فيها إلى شقّها اليمني، ولا تمكن رؤيته من (خراسان) كما يروي الإخباريون واللغويون العرب الذين أورد بعضهم أن سهيلاً يُرى بجميع بلدان العرب، لكنه لا يُرى أيضاً في أرمينيا، وأن الفارق بين رؤيته في الحجاز، ورؤيته في العراق، تبلغ 20 يوماً.

تعلّق العرب، قبل الإسلام، بنجم سهيل مثلما تعلقوا بغيره من مشاهد السماء والفضاء الخارجي، كالشعرى والثريا. إلا أن نجم سهيل، دخل في أدبياتهم وصار جزءا من وعيهم للعالم الخارجي، يحسبون به المناخ والتغيرات التي يمكن توقعها، وكذلك منحوه هالة من التقديس، فعُبِد في الجاهلية، وكان له صنم يحمل اسمه، ونسجوا حوله الأساطير وانشغل به الشعراء فنقلوه في قصائدهم، نظراً لكونه ثاني أكثر النجوم لمعاناً، في السماء، بعد الشعرى، ويستبشر العرب به أفضل مواسمهم ويترقبونه باعتباره بداية نهاية الجفاف والقيظ واحتمالية سقوط الأمطار معه أو بعد ظهوره، ولا يغيب عن المنطقة العربية أكثر من 100 يوم، ما بين شهري أيار/مايو، وآب/أغسطس، حيث يرى أولا من جهة جنوب الجزيرة العربية، فسمّوه اليمانيّ، كما يقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي والمتوفى سنة 93 للهجرة:

هيَ شاميّةٌ إذا ما استقلّت
وسهيلٌ إذا استقلّ يماني!

كان ظالماً فمسخه اللهُ كوكباً!
بُهر العربي القديم بسهيل، فعبده، قبل الإسلام، ونسج حوله الأساطير، وتعامل معه كما لو أنه جزء من نسيجه الاجتماعي، فاعتبر أن له أختين، هما نجما العبور والشعرى الموصوفة بالغميصاء، بحسب ما نقل بعض الإخباريين العرب الذين قالوا إن الشعرى الموصوفة بالغميصاء، بكت على أثر العبور، شقيقتها، حتى غمصت! والغمص أثرٌ حاد في العين.

إلا أن الأساطير العربية القديمة التي جعلت لنجم سهيل، أختين هما العبور والغميصاء، جعلت منهما في مكان آخر، زوجين له، بحسب ما ورد في (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلامة العراقي جواد علي الذي أضاف أن بعض "الخرافات" القديمة قبل الإسلام، تقول إن نجم سهيل تزوج من نجم الشعرى! إلا أنه انحدر في مسار فصار يمانياً، فعبرت الشعرى المجرّة، فسميت لذلك العبور! فما كان من الغميصاء سوى البكاء على فقد سهيل، حتى غمصت عيناها!

وورد، في هذا السياق، لدى أمهات العربية، أن العرب كانت تعتقد بنجم سهيل، عشّاراً ظالماً، على طريق اليمن، أي يتقاضى العشر، فمسخه اللهُ كوكباً!

المتنبي يشبّه نفسه بسهيل

وحضور نجم سهيل، في الشعر العربي، واضح للعيان، فقد شبّه أبو الطيب المتنبي، نفْسه، به، تباهياً بنفسه وتسخيفاً من المعنيين وتخويفا لهم:
وتنكر موتَهم وأنا سهيلٌ
طلعت بموت أولاد الـ..!
إلا أن بعض مفسّري المتنبي، شرحوا دلالة نجم سهيل، في البيت السابق، على أنها بمعنى الخراب والدمار والموت، بالقول إن سهيلا لو طلع، حل الخراب في الأرض وكثر الموت، وهو تأويل يتناقض مع موروث العربي عن سهيل، باعتباره كوكب فرح يُستَبشر بقدومه، فالعرب تقول: "أسعد من سهيل طلعتُه".

وكان الشاعر العربي المشهور مالك بن الريب والمتوفى نحو سنة 60 للهجرة، قد طلب من أقرانه رفعه عاليا، وهو في حالة احتضار شعري متخيّل، فقط ليتمكن من رؤية نجم سهيل، كونه مقيما بخراسان ولا يمكن له من هناك مشاهدة ذلك النجم الضخم شديد اللمعان:
أقول لأصحابي: ارفعوني فإنه
يقرّ بعيني أنْ سهيلٌ بَدا ليا!
وبقول شعري منقول في (تاج العروس) الذي قال إن نجم سهيل عند طلوعه تنضج الفاكهة:
إذا سهيلٌ مطلع الشمس طلعْ
فابنُ اللبون الحِقّ والحِقّ جذع
ويقول النابغة الجعدي:
فباتَ عذوباً للسماء كأنه
سهيلٌ إذا ما أفردته الكواكبُ
ونقل عن الحطيئة قوله:
وأكريت [أو آنيت] العشاء إلى سهيل
أو الشعرى فطال بي الأناءُ

رسالة في سهيل

واستعمل العرب مكانة سهيل عندهم، لتكون معيارا لغويا للتفضيل والتحديد، من مثل قولهم: "كان عدي بن زيد في الشعراء، بمنزلة سهيل في النجوم.."

ونقل المصنفون العرب القدامى، أسماء كتب عديدة ضاع أثرها ولم يبق إلا عناوينها، أو أنها لا زالت مفقودة إلى الآن، ككتاب (رسالة في (نجم) سهيل) لعالم الفلك العربي وابن عالم الفلك الشهير، سنان بن ثابت بن قرة، والمتوفى سنة 331 للهجرة.

وكان هناك نجمان يطلعان قبل نجم سهيل، واسماهما: حضار، والوزن، وكانا يشبهانه في شيء من اللمعان، ويقول الإخباريون واللغويون العرب، إنهما نجمان محلفان، عند العرب القدامى، وإنهما سميا محلفين، لاختلاف الناظرين لهما إذا طلعا، فيحلف أحدهما أنه سهيل! ويحلف الآخر أنه ليس بسهيل! الأمر الذي يعكس شدة تعلّق واهتمام العربي بذلك النجم اللامع الذي رافقه في المثل السائر الذي يضرب بالرجاء والأمل:
يا مرتجي زيدٍ وبكرٍ في الورى
أخلفكَ الوزنُ وسهلٌ لا يُرى!