المحبة بين الناس أنواع..!

المحبة بين الناس أنواع..!
المحبة بين الناس أنواع..!

كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب.

بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه: "المحبة بين الناس أنواع..!":

المحبة بين الناس أنواع..!

الناس في حاجة بعضها إلى بعض، وكل منا يبحث عن الشخص الذي يجد فيه ما يرضيه وبالتالي ما يتجاوب معه، لأن النفس الإنسانية في واقعها ناقصة تبحث عن شيء تكتمل به، وترضى عنه، وترتاح إليه، ولا تزهد فيه...

والمحبة بين الناس أنواع، وأسبابها تكون بعدد أنواعها... في هذا المقام يقول الفيلسوف والبحاث أحمد بن مسكويه في كتابه (تهذيب الأخلاق)...

"وللمحبة أنواع وأسبابها تكون بعدد أنواعها: فأحد أنواعها ما ينعقد سريعاً وينحل سريعاً... والثاني ما ينعقد سريعاً وينحل بطيئاً، والثالث ما ينعقد بطيئاً وينحل سريعاً، والرابع ما ينعقد بطيئاً، وينحل بطيئاً، وإنما انقسمت إلى هذه الأنواع فقط لأن مقاصد الناس في مطالبهم وسيرهم ثلاثة، ويتركب بينها رابع وهي اللذة والخير والنافع والمتركب منها"...

ثم يستطرد (ابن مسكويه) كلامه قائلاً: فأما المحبة التي يكون سببها اللذة فهي التي تنعقد سريعاً وتنحل سريعاً. وذلك أن اللذة سريعة التغير، وأما المحبة التي سببها الخير فهي التي تنعقد سريعاً وتنحل بطيئاً، وأما المحبة التي سببها النافع فهي التي تنعقد بطيئاً وتنحل سريعاً. وأما التي تتركب من هذه إذا كان الخير فإنها تنحل بطيئاً وتنعقد بطيئاً..

وهذه المحبات كلها تحدث بين الناس خاصة لأنها تكون بإرادة وروية، وتكون فيها مجازفة ومكافأة...

فأما التي تكون بين الحيوانات غير الناطقة، فالأحرى بها أن تسمى ألفاً وتقع بين الأشكال منها خاصة. ثم ينتقل (ابن مسكويه) في كلامه عن الصداقة فيقول: أما الصداقة فهي نوع من المحبة إلا أنها أخص منها وهي المودة بعينها، وليس يمكن أن تقع بين جماعة كثيرين كما تقع المحبة. وأما العشق فهو إفراط المحبة، وهو أخص من المودة، وذلك أنه لا يمكن أن يقع إلا بين اثنين فقط، ولا يقع في النافع ولا في المركب مع النافع وغيره، وإنما يقع لمحب اللذة بإفراط، ولمحب الخير بإفراط واحدهما قدموم والآخر محمود. فالصداقة بين الأحداث ومن كان في مثل طباعهم، إنما تحدث لأجل اللذة. فهم يتصادقون سريعاً ويتقاطعون سريعاً، وربما اتفق ذلك بينهم في الزمان القليل مراراً كثيرة وربما بقيت بقدر ثقتهم ببقاء اللذة ومعاودتها حالاً بعد حال. فإذا انقطعت هذه الثقة بمعاودتها انقطعت الصداقة بالوقت وفي الحال. والصداقة بين المشايخ ومن كان في مثل طباعهم إنما تقع لمكان المنفعة فهم يتصادقون بسببها، فإذا كانت المنافع مشتركة بينهم وهي الأكثر طويلة المدة، كانت الصداقة بينهم باقية، فحين تنقطع علاقة المنفعة بينهم وينقطع رجاؤهم من المنفعة المشتركة تنقطع موداتهم...

ثم يتابع الفيلسوف (ابن مسكويه) وهو يتحدث عن الصداقات وأنواعها ومستوياتها فيقول: والصداقة بين الأخيار تكون لأجل الخير، وسببها الخير، ولما كان الخير شيئاً ثابتاً غير متغير الذات صارت مودات أصحابه باقية غير متغيرة، وأيضاً لما كان الإنسان مركباً من طبائع متضادة، صار يميل كل واحد يخالف ميل الآخر. فاللذة التي توافق إحداها تخالف لذة الأخرى التي تضادها فلا تخلص له لذة غير مشوبة بأذى، والمحبة التي سببها هذه اللذة هي التي تفرط حتى تصبح عشقاً تاماً خالصاً شبيهاً بالوله. وهي المحبة الإلهية الموصوفة التي يدعيها بعض المتألهين...

عزيزي القارئ:

جاء في الحديث الشريف: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فانظر إلى أية من هذه الأرواح تآلفت روحك أو تناكرت منها...!!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى